حكم الاحتفال بالمولد النبوي الشريف

 بادئ ذي بدء نقول ذهب جمهور علماء المسلمين وعلى رأسهم جمهور أهل السنة والجماعة إلى مشروعية الاحتفال بالمولد النبوي الشريف، وهو معتمد الفتوى عند المذاهب الأربعة منذ ظهوره على يد أهل السنة إلى يومنا هذا.

 وصفه اللغوي : بدعة، من حيث الظهور.

 حكمه الشرعي : من المندوبات؛ لِمَ اشتمل عليه من وجوب محبة النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، واستحباب الفرح به، واستحباب الصوم والذكر عموما وقراءة السيرة النبوية العطرة والشمائل المحمدية والمدائح النبوية وقراءة القرآن عموما والتوسعة على الأهل بالحلوى والطعام، والتعريف بالنبي العدنان، فكل مفرداته من المندوبات.

 أدلته :

من الكتاب : قال الله تعالى : (قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا )

وجه الدلالة : لما كانت العبرة بعموم اللفظ (الفرح بالفضل والرحمة ) لا بخصوص السبب (سبب نزول الآية ) صح لنا أن نقول :

 أي فضل أفضل من مولد النبي ﷺ ؟!

 وأي رحمة أفضل من مولد النبي ﷺ ؟!

قال تعالى : (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ )

فلولا المولد الشريف ما كانت نبوة ولا رسالة لذلك صح لنا أن نفرح بفضل الله ورحمته علينا بمولده ﷺ.

 من السنة : لما سئل النبي ﷺ عن سبب صيام يوم الإثنين قال : (هذا يوم ولدت فيه )

وجه الدلالة : أي كان ﷺ يحتفل بمولده كل أسبوع ....

وعليه صح أصل الاحتفال فلا مانع من أن نظهر الاحتفال به بشكل لافت لنظر الأمم في يوم مولده السنوي ؟! من قبيل قوله ﷺ : (من سن في الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها... )

 لذلك احتفال المسلمون بالمولد النبوي، وأول من أحدث الاحتفال بالمولد النبوي الشريف من أهل السنة بصورة لا مثيل لها من الجمال والتعظيم والتوقير ؟!

 هو الملك المظفر أبو سعيد الكوكبري ملك إربل (زوج أخت الناصر صلاح الدين قاهر الرافضة )

حيث جمع علماء السنة والحفاظ يسألهم عن مشروعية الاحتفال بالمولد النبوي الشريف؟

 فأجازوه وألفوا في مشروعيته الكتب، حتى بلغت كتب المولد أكثر من أربعين كتابا.

 وممن أجازه من العلماء :

الحافظ العراقي، الحافظ أبو شامة شيخ الإمام النووي، الحافظ ابن حجر العسقلاني، الحافظ السخاوي، الحافظ السيوطي، الحافظ ابن كثير، الحافظ ابن دحية، الحافظ ابن ناصر الدمشقي، الحافظ القسطلاني.

شيخ الإسلام ابن حجر الهيتمي

شيخ الإسلام ابن عابدين

الإمام العلامة ابن عباد النفري

الإمام محمد متولي الشعراوي،

الأزهر الشريف وغالب دور الإفتاء الإسلامية، وهو معتمد الفتوى عند المذاهب الأربعة.

أي جمهور علماء المسلمين إلا من شذ.

 الرد على بعض اعتراضات الفرقة الوهابية "السلفية" التي ترى تحريم الاحتفال بمولده ﷺ! بل عده بعضهم من أبواب الشرك !!!! :

 قولهم ( يوم مولده غير معلوم على اليقين فكيف نحتفل به )

 نقول لهم :هذا غير صحيح بل جمهور العلماء على أن يوم مولده يوافق ١٢ من ربيع الأنور ، أما عن سبب الاختلاف بين الآراء في تحديد يوم مولده فيُرجعه العلامة محمود باشا الفلكي إلى اختلاف حساب السنة الشمسية مع السنة القمرية بما يؤدي إلى التباين بينهما في التواريخ.

وعلى كل حال فإن الجمهور يذهب إلى أن مولده يوافق ١٢ من ربيع الأنور، كما أن الاحتفالات به تغمر الشهر كله من أوله إلى آخره، فكل ما ذكر من تواريخ في الشهر فإن الاحتفال يشملها والعبرة بالنية.

ثانيا نحن نحتفل على اعتقاد غلبة الظن بأن يوم ١٢ من ربيع الأول هو يوم مولده الشريف، والفقه مبناه على غلبة الظن لا القطع، فنحن نصوم شهر رمضان على اعتقاد غلبة الظن برؤية الهلال لا القطع، ونصلي على اعتقاد غلبة الظن بدخول الوقت لا القطع، فالفقه كله هكذا غالبا.

 قولهم (كيف نحتفل بيوم مولده وهو يوم وفاته أيضا ؟ )

 نقول لهم : أولا اختلف العلماء في تحديد يوم وفاته على عدة أقوال، فلا نقطع بأن تاريخ يوم وفاته هو تاريخ يوم مولده.

ثانيا الدين أمرنا بتجديد الأفراح لا الأحزان ولذلك نعيب على الشيعة إقامة المآتم على آل البيت في ذكرى استشهادهم سلام الله عليهم؛ لأن تجديد الأحزان ليس من شريعتنا بل بتجديد الأفراح كفرحنا بنجاة نبي الله موسى عليه السلام في يوم عاشوراء من كل عام.

ثالثا يوم الجمعة من أعياد المسلمين فهو اليوم الذي ولد فيه سيدنا آدم عليه السلام وهو أيضا اليوم الذي توفاه الله فيه، إذن لا مانع إن وافق تاريخ الوفاة تاريخ المولد وإلا ما جعل الشرع يوم الجمعة عيدا لنا.

رابعا النبي ﷺ كان يصوم يوم الإثنين من كل أسبوع احتفالا بمولده وصارت السُنة على ذلك بالرغم من أنه أيضا اليوم الذي توفاه الله فيه، فهل نبطل صيامه ؟!

 قولهم (أن الاحتفال بمولده ظهر على يد الشيعة أول ما ظهر فكيف نأخذ عنهم الاحتفال به ؟! )

 نقول لهم أن الاحتفال بمولده أسبوعيا ظهر على يد النبي ﷺ أولا أما عن كون ظهور الاحتفال سنويا أول ما ظهر على يد الشيعة فرقة إسلامية فأيضا عاشوراء ظهر أول ما ظهر على يد اليهود دين آخر ومع ذلك جعله النبي ﷺ فرحة لنا ونصومه بالرغم من أنه نشأ على يد اليهود، فلو كانت هذه حجة شرعية مانعة ما شرعه النبي لنا.

ثانيا وما المانع إن ظهر أول ما ظهر على أيديهم ؟!

 نحن كأهل سنة نصوم ونصلي ونحج والشيعة مثلنا ؟ فهل نبطل ديننا من أجل غيرنا ؟!

ثالثا على كل حال الشيعة من أهل الإسلام، إلا من أتى بشيء أخرجه من الإسلام، فإن فعلوا خيرا فجزاهم الله عنا خيرا، فالإسلام علمنا أن نقول لمَن أحسن أحسنت لا أن ننكر فضله.

(رابعا ) نحن كأهل سنة لم نفعله تقليدا لهم بل فعلناه بعدما اجتهد علماء الشرع من أهل السنة واستنبطوا من الأدلة ما يجيزه بل ويندب إليه.

 قولهم (الصحابة لم يفعلوه فكيف نفعله ) :

 نقول لهم أن أمر الاحتفال لم يعرض عليهم أصلا حتى تحتجون بهم سلبا أو إيجابا.

كذلك من المعلوم في علم أصول الفقه أن الترك ليس بحجة شرعية عند الأصوليين فلا يصح الاحتجاج به.

كما أن الصحابة رضوان الله عليهم

ما عُرِضَ عليهم وكان خيرا أجازوه بالرغم من أن النبي ﷺ لم يفعله :

كجمع المصحف في عهد أبي بكر الصديق، وكأذانين يوم الجمعة في عهد عثمان بن عفان، وجمع الناس على صلاة التراويح وصلاتها 20 ركعة في عهد عمر بن الخطاب حتى قال عبارته الشهيرة : نعم البدعة هي.

فالنبي ﷺ لم يفعل كل هذا إلا أنهم أجازوه من باب من سن في الإسلام سنة حسنة، ولأن النبي نهي عن إحداث ما ليس من ديننا وهذه الأمور من ديننا وعليه يجوز استحداثها بمفهوم المخالفة كما ذكر الإمام ابن رجب الحنبلي وغيره.

 قولهم : ( نمنعه لِإرتكاب بعض الناس بعض المحرمات فيه ) :

 نقول لهم هذا لا يبطله؛ لأن بعض الناس ترتكب المحرمات في أعياد المسلمين (الفطر والأضحى ) من شرب الخمر والاختلاط والتحرش ومع ذلك تبقى الأعياد مشروعة وإثم الحرام على مرتكبه.

 قولهم (أنه فعله يعد استحداث عبادة جديدة ) :

 نقول لهم هذا باطل؛ لأنه عادة لا عبادة والأصل في العادات الحِلّ، أما عن بقية العبادات فيه من صوم وذكر ومدائح فهي من العبادات المشروعة بنص الكتاب والسنة غير المقيدة ليست كصلاة الظهر أربع ركعات بكيفية معينة في وقت معين من غير زيادة أو نقصان بل من العبادات غير المقيدة وبالتالي تجوز في أي وقت من السنة، ويجوز للمسلم أن يلزم نفسه بها بشكل معين كورد له من قبيل التطوع.

 فمن احتفل بالمولد النبوي الشريف أصاب الأجر ومن تركه لم يرتكب محرما إلا أن يكون منتقصا للنبي ﷺ والعياذ بالله.

 كما أن تخصيص بعض الأيام التي ترمز إلى أمور معينة في أعراف الناس أو للتعريف بعظمائهم

من الأمور المحدثة في المجتمعات المعاصرة مثل الاحتفال باليوم الوطني للملكة السعودية وأسبوع التعريف بمحمد بن عبد الوهاب شيخ الفرقة الوهابية "السلفية"

فهذه من المحدثات الحسنة التي التفت الناس إلى أهميتها حتى صارت عادة عالمية ، فلماذا نترك عادة طيبة نحن أولى بها ؟!

 أما عن أكل الحلوى في يوم مولده الشريف فهي ترمز إلى جمال وحلاوة النبي ﷺ؛ فهو الجمال كله صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم، كما أنها من باب التوسعة على الأهل التي ندب الشرع إليها.

 ختاما نقول أن الاحتفال بالمولد النبوي الشريف صدقة تصدق الله بها على خلف هذه الأمة والمزية لا تستلزم التفضيل جبرا لِمَ فاتهم من توقير الصحابة للنبي ﷺ ولِمَ فاتهم من صحبة النبي ﷺ فتقبلوها بقبول حسن، والله المستعان وعليه التكلان.

 إذا كان هذا كافرا جاء ذمه

 وتبَّت يداه فى الجحيم مخلدا

 أتى أنه فى يوم الاثنين دائما يخفف عنه للسرور بأحمدا

 فما الظن بالعبد الذى كان عمره بأحمد مسرورا ومات موحدا؟

 كتبه / محمد حلمي الحنفي الأزهري

حاصل على الإجازة العالية في الشريعة الإسلامية من الأزهر الشريف )


Post a Comment

Previous Post Next Post

Featured Post