فصل في نواقض الوضوء

لما ذکر الطهارة الحکمية اصلا وخلفا و آلة شرع بذکر ما يعرض عليها فيزيلها والنواقض جمع ناقضة والمراد بها العلة الناقضة والنقض متى أضيف الى الصور يراد به إبطال تاليفها ومتى أضيف الى غيرها يراد به إخراجه عما هو مطلوب منه (المعاني الناقضة للوضوء کل ماخرج من السبيلين والمراد من المعاني العلل والمراد بما خرج خروجه لا عينه لأن عينه ليس معنى ولا يکون علة الانتقاض لأن العلة عبارة عن معنى يحل بالمحل لا عن اختيار فيتغير به حال المحل قاله الشيخ حافظ الدين النسفي قال الشيخ کمال الدين بن الهمام الظاهر إن الناقض هو النجس الخارج لا خروجه المخرج للنجس عن کونه مؤثرا اللنقض مع أن الضد هو المؤثر في رفع ضده و صفة النجاسة الرافعة للطهارة إنما هى قائمة بالخارج وغاية الخروج أن يکون علة تحقق صفة شرعية أعني صفة النجاسة فإنها شرعية وذلک لا يضر إذ بعد تحققها عن علتها هى المؤثرة للنقض ثم هو ظاهر الحديث ما الحدث قال ما يخرج من السبيلين ولم يوجد ما يوجب صرفه عن ظاهره فالناقض الخارج النجس والخروج شرط عمل العلة و علة لها نفسها لأنه علة تحقق الوصف الذي هو النجاسة وإلا لم يحصل لأحد طهارة فإضافة النقض إلى الخروج اضافة إلى علة العلة انتهى. وقد حاول رحمه الله التحقيق إلا إنه في کلام الشيخ حافظ الدين وهو أن العين لا تصلح أن تکون علة ولذا اجمعوا على إنّ قولنا لو لا زيد لأکرمتک معناه لو لا وجود زيد ولان حمل الذوات على المعاني غير صحيح وايضا صفة النجاسة التي تحققت في العين بالخروج غير مؤثرة في إزالة الطهارة الحکمية بوجه إذ تحققها لا يتقدم على زوال الطهارة ذاتا ولو کانت مرثرة في إزالتها لما تحققت مع بقائها في المحل بالخروج علة لوجود صفة النجاسة في العين الخارج وعلة لزوال الطهارة الحکمية عن البدن الذي حصل الخروج فيه وبهذا ظهر إن قوله أن الخروج مخرج للنجس عن کونه مؤثرا غير صحيح لأنه لم يکن نجسا قبل الخروج على أنه کالناقض لقوله إنه تحقق النجاسة وقوله مع أن الضد هو المؤثر إلى آخره قلنا إن سلم فالضد هو النجاسة الحکمية وهو خروج تلک العين لا عينها فإنها قبله غير نجسة ومعه هى نجاسة حقيقية لا حکمية وکلامنا في الحکمية على أنه في حيز المنع بل وجود الضد في المحل مؤثر في رفع ضده عنه لا أن عين الضد مؤثرة في رفع الضد وقوله لم يوجد ما يوجب صرف الحديث عن ظاهره ممنوع بعد القطع بأن تلک العين لا تصلح للعلية والمجاز الظاهر غير عزيز في کلام الشارع سيما في موضع لا لبس ولا اشتباه ثم لمّا کان المراد من السبيلين القبل و الدبر وکلمة ما عامة و قد دخلت عليها کل فاقتضت شمول کل فرد مما يخرج من السبيلين و المعلوم قطعا أن المراد من کل واحد منهما لا منهما معا دخل في ذلک العموم الريح من القبل فلذا خصص بقوله (وإن خرج من قبل الرجل و المرأة ريح منتنة الصحيح أنه) أى الوضوء (لاينتقض ذکره في المحيط) لا خلاف في الخارجة من الذکر ولا في الخارجة من القبل إذا لم تکن منتنة أما المنتنة فقيل تنقض والصحيح إنها لا تنقض هذا هو المفهوم من المتن ومن کلام البعض کصاحب الخلاصة والذي عول عليه قاضي خان وغيره أن الخلاف أنما هو في الخارجة من قبل المفضاة ولاخلاف في عدم النقض في غيرها لأنها غير منبعثة عن محل النجاس کذا في الهداية وهو يشير إلى أن الريح نفسها ليست بنجسة و أنما تتنجس لمرورها على محل النجاسة (وإن خرج الريح من المفضاة) وهى التي انقطع الحجاب بين قبلها و دبرها فاتصل المسلکان فعن محمد رحمه الله (يجب عليه الوضوء) وبه أخذ أبو حفص البخاري للاحتياط (وذکر في جامع قاضيخان) وکذا في الهداية وغيرها وهو قول الکرخي أنه (يستحب لها أن تتوضأ) للاحتمال مع أن طهارتها ثابتة بيقين فلاتزول بالشک لکن قيل کون الريح من الدبر هو الغالب يرجح أنها من الدبر وقيل إن کان مسموعا أو متقنا نقض و إلا فلا وفي الخلاصة ولو خرج من الدبر ريح يعلم أنه لم يکن من الأعلى هو اختلاج لا وضوء عليه (وکذا الدود والحصا إذا خرج من أحد هذين الموضعين) أى الدبر والقبل (فعليه الوضوء) لاستتباع الرطوبة وهى حدث في السبيلين و إن قلت بخلاف الريح (و إن خرج الدود من الجم أو الأذن أو من الجراحة لاينتقض) أما من الجراحة فلأن الدودة طاهرة وکذا ما عليها من البلة لأنها ليست حدثا لقلتها وعدم قوة السيلان فيها وکذا ما يخرج من الأذن فإنه لا يکون إلا من جراحة و أما ما خرج من الفم فکذالک هو من الجراحة إن لم يکن من الجوف و أما إن کان من الجوف فإنه وإن لم يکن من جراحة لکن ولم يکن في قوة السيلان لعد اشتراط ذلک في ناقضة الخارج منهما (وإن ادخل المحقنة دبره ثم أخرجها إن لم يکن عليها بلة لا ينقض) إدخال الوضوء لأن الناقض ما يخرج لا ما يدخل وکذا کل شيء يدخل وطرفه خارج غير الذکر (و) لکن (الأحوط أن يتوضأ) لاحتمال خروج شيء خفي فإن التلوث غلب وعدمه في غاية الندرة بل لا يکاد يوجد وکل شيء غيبه ثم خرج ينقض وإن لم يکن عليه بلة لأنه التحق بما في البطن ولذا يفسد الصوم بخلاف ما إذا کان طرفه خارجا (و إن أقطر الدهن في أحليله فعاد فلا وضوء عليه عند أبي حنيفة رحمه الله خلافا لهما) ذکره في الأجناس ولم يذکر هذا الخلاف قاضيخان في  الفتاوی  بل أطلق إنه لا وضوء عليه وذلک لأنه لم يستتبع شيأ من النجاسة إذ ليس في قصبة الذکر نجاسة يحتمل أن تخرج مع الدهن وهى ليست بنجسة وذکر شيخ کمال الدين بن الهمام أنه لا ينقض خلاف لأبي يوسف رحمه الله وهو الموافق لخلافه في فساد الصوم فإن الصوم لا يفسد بالأقطار في إلا حليل عند أبي حنيفة رحمه الله خلافا لأبي يوسف رحمه الله وقول محمد رحمه الله مضطرب هناک فيحتمل أنه مضطرب هنا أيضا ولا خلاف أن الأقطار في الفرج الداخل يفسد الصوم و خروجه ينقض الوضوء وإن صب الدهن في الفم إلا بعد الوصول إلى الجوف وهو موضع النجاسة وفي الأول ينزل من الدماغ وهو ليس موضع النجاسة وکذا السعوط إذا عاد من الأنف بعد أيام لا ينقض کذا في فتاوى قاضيخان وقوله لا يخرج من الفم إلا بعد الوصول إِلي الجوف لا يخلو عن نظر فإن کثير من البلغم وغيره ينزل من الدماغ إلى الحلق من دون وصول إلى الجوف (وإن احتشى) الرجل (احليله بقطنة خوفا من خروج البول) والحال أنه (لو لا) ذلک (القطن) الذي (احتشى به لکان يخرج منه البول فلا بأس به) ولا کراهة بل يستحب إن کان يربيه الشيطان و يجب إن کان لاينقطع مقدار ما يتوضأ ويصلي إلا به وکذا الحکم لو احتشى دبره (ولا ينتقض وضوئه ما لم يظهر البول) على ظاهر (القطنة) لعدم الخروج (و إن غابت القطنة ثم أخرجها أو خرجت) هى بنفسها حال کونها (رطبة انتقض) لعدم الخروج (و إن غابت) وإن قلت وإن لم تکن رطبة لا ينتقض کالدهن بخلاف ما يغيب في الدبر فإن خروجه ينقض بأن لم تکن عليه رطوبة لأنه التحق بما في الأمعاء وهى محل القذر بخلاف قصبة الذکر. وکذا لو خرج الدهن من الدبر بعد ما احتقن به ينقض ينقض بلا خلاف کما يفسد الاحتقان فيه الصوم بلا خلاف (و إن ابتل الطرف الداخل) من القطنة (ولم ينفذ) البلل إلى الطرف الخارج منها (لم ينتقض) وضوئه لما تقدم (وإن سقطت) بعد ادخال طرفها إن کانت رطبة (انتقض) وضوئه (وإن کانت يابسة لم ينتقض وکذ الحکم في کرسف النفساء) وهو القطنة التي تحتشي بها المرأة فرجها وهو في الأصل اسم للقطن مطلقا (إذا سقطت) إن کانت رطبة انتقض وإن کانت يايسة فلا (سواء کان الکرسف في الداخل أو في الخارج وإن کانت اتحشت في الفرج الخارج فابتل داخل الحشو انتقض) وضوئها سواء (نفذ) البلل إلى خارج الحشو (أو لم ينفذ) للتيقن بالخروج من الفرج الداخل وهو المعتبر في الانتقاض لأن الفرج الخارج بمنزلة القلفة فکما ينقض بما يخرج من قصبة الذکر إلى القلفة وإن لم يخرج من القلفة کذلک بما يخرج من الفرج الداخل إلى الفرج الخارج وإن لم يخرج من الخارج (و أما إذا احتشت في الفرج الداخل) فحينئذ (إن نفذ البلل إلى خارضه) أى خارج الحشو (انتقض الوضوء وإلا) أى وإن لم ينفذ إلى خارجه (فلا) ينتقض کما في حشو الاحليل هذا الذي مضي کان في الخارج من احد السبيلين (إما) النجس (الخارج من غير السبيلين فيوجب انتقاض الطهارة) أيضا (عندنا على التفصيل) الذي سيذکر (خلافا للشافعي رحمه الله) ومالک وذلک (کالقيء والدم ونحوهما) من القيح والصديد لما روي الدار قطني من طريق ضعيف أنه عليه السلام قال الوضوء من کل دم سائل ورواه ابن عدي في الکامل من طريق آخر وقال لا نعمله إلا من حديث أحمد بن فروخ وهو ممن لا يحتاج بحديثه ولکنه يکتب انتهى لکن قال ابن أبي حاتم في کتاب العلل قد کتبنا عنه ومحله عندنا الصدق وقد تأيد بحديث البخاري عن عائشة رضي الله عنه جائت فاطمة بنت أبي حبيش إلى النبي فقالت يا رسول الله إني امرأة استحاض فلا أطهر أفأدع الصلوة قال لا إنما ذلک عرق وليست بالحيضة فإذا أقبلت الحيضة فدعي الصلوة فإذا أدبرت فاغسلي عنک الدم .

قال هشام بن عروة قال أبي الروايات دم عرق مع امره لها بالتوضي لکل صلوة إشارة إلى أن لخروج دم العرق تأثيرا في نقض الطهارة واعترض بأن لفظ توضئي من کلام عروة ودفع بأن المخاطب لها هو النبي لا عروة حتي يکون من کلامه وأنما هو ناقل لکلامه عليه السلام وقد رواه الترمذي کذلک ولم يحمله على ذلک ولفظه وتوضئي لکل صلوة حتي يجيء ذلک الوقت وصححه وري ابن ماجة عن اسماعيل بن عياش عن ابن جريج عن ابن أبي مليکة عن عائشة رضي الله عنه قال عليه السلام من أصابه قيء أو رعاف أو قلس أو مذي فلينصرف فليتوجأ ثم ليبن على صلوته وهو في ذلک لا يتکلم وفي رواية الدار قطني ثم ليبن على صلوته ما لم يتکلم واختلف في ابن عياش .

والحاصل فيه أنه يحتج بحديثه من طريق الشاميين لا الحجازيين وأخرجه البيهقي من جهة الدار قطني عن ابن جريج عن أبيه عنه عليه السلام مرسلا قال هذا هو الصحيح ثم نقل عن الشافعي رحمه الله إنه بتقدير الصحة يحمل على غسل الدم لا وضوء الصلوة ودفع بأنه غير صحيح وإلا لبطلت الصلوة فلم يجز لابناء وابن عياش قد وثقة ابن معين وزاد في الاسناد عن عائشة رضي الله عنه والزيادة من الثقة مقبولة و المرسل عندنا و عند جمهور العلماء حجة وقد أخرج أبو داؤد والترمذي والنسائي عن حسين المعلم بسنده و المرسل عندنا أبي طلحة عن أبي الدرداء أنه عليه السلام قام فتوضأ قال فلقيت ثوبان في مسجد دمشق فذکرت ذلک له فقال صدق و أنا صببت عليه وضوئه قال الترمذي وهو أصح شيء في الباب وأعله الخصم بالاضطراب فإن معمرا رواه عن اضطراب بعض الرواة لايؤثر في ضبط غيره .

قال ابن الجوزي قال الاثرم قلت لأحمد رحمه الله قد اضطربوا في هذا الحديث فقال قد جوده حسين المعلوم وقد قال الحاکم هو على طرطهما وإذا قد ثبت هذا عنه عليه الصلوة والسلام فلا يعارضه المضي على الصلوة من الصحابي الذي جرح في الصلوة وما رواه الدار قطني من أنه عليه السلام احتجم و صلي ولم يتوضأ ولم يزد على غسل محاجمه ضعيف وروي البيهقي في الخلاف عنه عليه السلام يعاد الوضوء من سبع من أقطار البول، والدم السائل، والقيئ، ومن دسعة تملأ الفم ، ونوم المضطجع، وقهقهة الرجل في الصلوة ، وخروج الدم ولکن فيه سهل بن عفان والجارود بن يزيد وهما ضعيفان فالحاصل حجية حديث فاطمة بنت أبي جيش وحديث ابن عياش وحديث أبي الدرداء لايعارضهما غيرها ولو فرض التعارض فرجع إلى القياس على الخارج من السبيلين و وجهه أن خروج النجاسة مؤثر في زوال الطهارة وهذا القدر في الأصل وهو الخارج من السبيلين معقول لأنه يعقل في أن زوال الطهارة فيه إنما هو بسبب أنه نجس خارج من البدن إذ لم يظهر لکونه من خصوص السبيلين تأثير وقد وجد في الخارج من غيرها فيتعدي الحکم وهو زوال الطهارة إليه فالأصل هو الخارج من السبيلين وحکمه زوال الطهارة وموجبها الوضوء وعلته خروج النجاسة من البدن وخصوص المحل ملغي والفرع الخارج النجس من غيرهما وفيه المناط فيتعدي زوال الطهارة التي موجبها الوضوء فثبت أن موجب هذا القياس زوال طهارة الوضوء فعند ارادة الصلوة يتوجه الخطاب بالوضوء وهو تطهير الأعضاء الأربعة فلا حاجة إلى أثبات تعدية الاقتصار ضمنا في الهداية وشروحها کذا أفاده العلامة کمال الدين بن الهمام والله اعلم (أما القيئ) فإنه (إذا کان ملأ الفم) بأن کان لا يمکن معه التکلم وقيل أن لا يمکن امساکه إلا بتکلف (فإنه ينقض) الوضوء (سواء کان) ذلک (طعاما أو ماء أو مرة) صفراء أو سوداء وجي المجتبي عن الحسن لو تناول طعاما أو ماء ثم قاء من ساعته لا ينقض لأنه طاهر حيث لم يستحل وإنما تصل به قليل القيء فلا يکون حدثا وکذا لصبي إذا ارتضع وقاء من ساعته قيل وهو المختار والصحيح في ظاهر الرواية أنه نجس لمخالطته النجاسة وتداخلها فيه بخلاف البلغم وبخلاف ما ذکر في القنية أنه لو قاء دودا کثيرا أو حية ملأت فاه لا ينقض وذلک لأنه طاهر في نفسه ولم تتداخله النجاسة وما يستتبعه قليل لا يبلغ ملأ الفم (فإن کان) القيء (بلغما لا ينقض) الوضوء (عند أبي حنيفة رحمه الله سواء نزل من الرأس أو صعد من الجوف) وقال أبو يوسف رحمه الله إن صعد من الجوف ينقض لأنه نجس بالمجاورة ولهما أنه لزج لا يتخلله النجاسة وما يتصل به قليل وهو غير ناقض والطحاوي مال إلى قول أبي يوسف رحمه الله حتي قال أنه يکره أن يأخذ البلغلم بطرف کمه ويصلي معه کذا في الخلاصة أقول لا يفهم من هذا الميل إلى قول أبي يوسف رحمه الله لأن الکراهة يمکن أن تکون على قولهما أيضا لأنهما يسلمان أنها يستتبع قليل نجاسة والصلوة مع قليل النجاسة مکروهة فإن کان البلغم مختلطا بالطعام ونحوه إن کان بحال لو انفرد الطعام ملأ الفم نقض وإلا فعلى الخلاف وقد خالف زفر في اشتراط ملأ الفم في القيء وقال ينقض مطلقا لإطلاق ما ورد أنه عليه الصلوة والسلام قاء فتوضأ فإنه يبعد أنه عليه السلام يقيء ملأ الفم لأنه يکون غالبا ما ورد أنه عليه الصلوة والسلام قاء فتوضأ فإنه يبعد أنه عليه السلام يقيء ملأ الفم لأنه يکون غالبا عن کثرة الامتلاء من الطعام وليس ذلک من شيمه عليه الصلوة والسلام وکذلک قوله في حديث ابن عياش أو قلس مطلق فيجري على إطلاقه وأجابوا عنه بما روي عن علي أنه قال أو دسعة تملأ الفم وهو لو صح لم يعارض الحديث الصحيح المرفوع سيما ومفهوم الصفة ليس بحجة کيف ولم يعرف حديثا ومثله ما وقع في حديث يعاد الوضوء من سبع فإنه لا يعارض القياس لکن قيل أن القلس هو ما يملأ الفم ذکره في المغرب ولا يخلو عن نظر والله اعلم. (وإن قاء دما) فأما أن يکون من الرأس أو من الجوف سائلا أو علقا (إن کان سائلا نزل من الرأس ينقض) اتفاقا إن ساوي البزاق لکن تسميته قيئاً تسامح وإن کان علقا أى منجمدا لا ينقض اتفاقا أما الأول فلأنه کارعاف فيعتبر فيه السيلان وکونه غالبا على البزاق دليل قوة السيلان فيه وکذا إن کان مساويا احتياطا وهو أن يکون أصفر نارنجيا فإن کان أقل صفرة من ذلک فهو مغلوب فلا ينقض وکذا الحکم إن خرج من أسنانه وأما الثاني فلأنه خرج عن کونه دما (وإن صعد) الدم (من الجوف إن کان علقا لا ينقض اتفاقا إلا أن يملأ الفم) لأنه سوداء محترقة فاعتبر بسائر أنواع القيء (وإن کان سائلا فعلى قول أبي حنيفة رحمه الله ينقض وإن لم (أى ولو لم يکن (ملأ الفم) کسائر الدماء السائلة لأنه من جراحة في الجوف إذ المعدة ليست محلا للدم (وعند محمد رحمه الله لا ينقض ما لم يکن ملأ الفم) اعتبار له بالقيء لأنه من الجوف (وإن قاء طعاما) التقييد بالطعام لئلا يذهب الوهم إلى الدم لتقدم ذکره لا لتخصيصه بل أى شيء قاء من أنواعه طعاما أو مرة أو علقا (قليلا قليلا) متفرقا وکان بحيث لو جمع يملأ الفم ينظر (إن اتحد المجلس) بأن قاء الجميع في مجلس واحد حقيقة أو حکما کما في سجدة التلاوة (يجمع عند أبي يوسف رحمه الله) ويحکم بالنقض لأن للمجالس اثرا في جمع المتفرقات کما في تکرار السجدة (وقال محمد إن اتحد السبب) وهو الغثيان يجمع و يحکم بالنقض وإلا فلا وهو الأصح لأن الأصل الاضافة الأحکام إلى أسبابها وإنما ترک في بعض المواضع للضرورة کما في السجدة وغيرها فلا يقاس عليه (وتفسير اتحاد السبب) أى بيانه (أنه) أى (الاتحاد إذا) أى کان موجودا إذا (قاء) القايء (ثانيا قبل سکون النفس عن الغچيان) والهيجان أى الاضطراب والحرکة لدفع المعدة ما لا تطيق حمله وهضمه وکذا ثالثا و رابعا فهذا هو تفسير اتحاد السبب (أما الدم ونحوه إذا خرج من البدن) فأما أن يسيل أو لا (أن سال بنفسه نقض وإلا فلا خلافا لزفر رحمه الله) إطلاق ما ورد فه الأحاديث کما تقدم وأجابوا بما روي الدار قطني أنه عليه السلام قال ليس في القطرة والقطرتين من الدم وضوء إلا أن يکون سائلا ولفظ قطرة وقطرتين کناية عن القلة وعدم السيلان بدليل إلا أن يکون سائلا فيه يعلم أن ليس المراد حقيقة القطرة وإلا لکان النفي والأثبات متواردين على شيء واحد فإن حقيقة القطرة فيها السيلان لکن في أحد طرفي الحديث محمد بن الفضل بن عطية وفي الأخرى حجاج بن نصير وقد ضعفا إلا أن الأحاديث المتقدمة ليست صريحة في مراده فإن في بعضها من دم سائل وفي بعضها ذکر الرعاف وهو لا يکون إلا سائلا وأيضا رطوبات البدن وأخلاطه لا يعطي لها حکم النجاسة إلا بالانتقال وإلا لما صحت صلوة فقط والانتقال في السبيلين يعلم بمجرد الظهور لأن المحل ليس مقرّ ما ظهر فظهوره دليل انتقاله بخلاف غيرهما فإن تحت کل بشرة رطوبة فإذا زالت البشرة کانت الرطوبة بادية لا منتقلة ولاتکون منتقلة إلا بالتجاوز والسيلان ولذا حکموا بطهارة الباقي في عروق المذکاة بعد الذبح ويؤيده وقد تقرر أن ما تقدم ليس بدليل والله وسبحانه أعلم (وعلى هذا) الأصل وهو اعتبار السيلان في نقض الدم ونحوه (مسائل) عديدة (منها نفطة) بکسر النون وفتحها وهى الجدري أى ماء أصفر دقيق عن الدم أو القيح (إن سأل عن رأس الجرح نقض) الوضوء (وإن لم يسل) عن رأس الجرح (لا) ينقضه وهذا يشتمل ما إذا خرج بنفسه فسأل أو خرج بالعصر فسأل وهى الهداية هذا إذا قشرها فخرج بنفسه إما إذا عصرها فخرج بعصره لا ينقض لأنه مخرج وليس بخارج وذکر في المحيط عصرت القرحة فخرج منها شيء کثير وکانت بحال لو لم تعصر لا يخرج شيء ينقض الوضوء وکذا ذکر في الغياثية والذخيرة لکن قال في الذخيرة فيه نظر وفي  الفتاوی  الظهيرية مثل ما في الهداية وما في المحيط أوجه قال الشيخ کمال الدين بن الهمام لا يظهر تأثير للإخراج وعدمه في هذا الحکيم لکونه خارجا نجسا وذلک يتحقق مع الإخراج کما مع عدمه فصار کالفصد قشر النفطة فلذا اختار السرخسي رحمه الله في جامعة النقض وکيف وجميع الأدلة الموردة من السنّة والقياس تفيد تعليق النقض بالخارج النجس وهو ثابت في المخرج انتهي.

(وتفسير اليسلان) الناقض (أن ينحدر) ذلک الشيء (عن رأس الجرح) أى ينزل بنفسه من غير تبعية غيره (وأما إذا علا على رأسه الجرح) أو البثرة ونحوهما (ولم ينحدر لا يکون سائلا وقال بعضهم) إنما يکون سائلا ناقضا (إذا خرج وتجاوز) مکان خروجه (إلى موضع يلحقه) أى يلحق ذلک الموضع حکم (التطهير) أى يجب تطهيره في الجملة في الوضوء أو في الغسل أو في إزالة النجاسة الحقيقية وهذا الأخير احتراز عن أن يرتکب في نحو عبارتهم هذه خلاف الظاهر الذي ارتکبه صدر الشريعة في تصحيحها من إن إلى يجب أن تتعلق بخرج لا بتجاوز ونحوه لأنه إذا فصد وخرج منه دم کثير ولم يتلطخ رأس الجرح فإنه ينقض مع أنه لم يسل إلى موضع يجب تطهيره بل خرج إلى موضع يجب تطهيره وسال فإذا أريد بالتطهير وما يعم التطهير الحکمي الحقيقي في الجملة جاز تعلق إلى بما يجاورها من نحو سال وجاوز ولم يرد نحو المثال الذي ذکره على تقدير وقوعه لأن المکان أيضا يجب تطهيره في الجملة في حال ارادة الصلوة عليه کما أن البدن يجب تطهيره عند ارداة الصلوة والاحتراز بالقيد المذکور وهو التجاوز إلى ما يلحقه حکم التطهير عما لا يلحقه حکم التطهير کداخل العين ونحوه مماله حکم داخل البدن من کل وجه حتي لو قشرت نفطة داخل العين وسال ما فيها ولم يخرج منها لم ينقض ولذا قال المصنف رحمه الله يعني ذلک البعض الذي فسر السيلان بهذا (إذا خرج الدم من الرأس إلى أنفه أو إلى أذنه أن سال) ذلک الدم (إلى موضع يجب تطهيره عن الاغتسال) وهو ما جاوز قصبة الأنف وصماخ الأذن إلى خارج (نقض) الوضوء وإن سال إلى قصبة الأنف وداخل الصماخ ولم يتجاوز لا ينقضه (وإن مسح الدم عن رأس الجرح بقطنة) أو غيرها (ثم خرج) أيضاد (فمسح ثم وثم أو القي التراب) أو وضع القطن ونحوه (عليه) فخرج وسري فيه (ينظر) فيه (إن کا بحال لو ترکه) ولم يمسحه ولم يضع عليه شيأً (لسال نقض وإلا) أى وإن لم يکن بحال لو ترکه لسال (فلا) ينقض لأن المعتبر خروج ما من شانه أن يسيل بنفسه لو لا المانع (و) من المسائل (لو بزق وفي بزاقه دم) فإنه ينظر (إن کان البزاق غالبا) بأن کان إلى البياض أقرب (فلا وضوء عليه) إن العبرة للغالب والمغلوب في حکم التابع فلم يکن سائلا بنفسه (وإن کان الدم غالبا) بأن کان إلى الحمرة أقرب (فعليه الوضوء) لأن غلبته تدل على سيلانه بنفسه (وأن استويا) بأن کان فيه صفرة شديدة نارنجية ينتقض وضوئه (ويتوضأ احتياطا) والقياس عدم النقض للشک في زوال الطهارة إلا أنه ترک للاحتياط في العبادة فإن مساواته للبزاق تغلب ظن سيلانه بنفسه (و) منها (لو عض شيأً فرأى أثر الدم عليه فلا وضوء عليه) وکذا لو رأى الدم على الخلال لأنه ليس بسائل قاله قاضيحاج (وقال بعض المشائخ ينبغي أن يضع کمه أو أصبعه في ذلک الموضع) فينظر إن وجد الدم فيه أى في الذي وضعه من الکم أو الأصبع (نقض) الوضوء (وإلا فلا) وهذا هو الأحوط لأنه إذا رأى الأثر يجب عليه أن يتعرف هل ذلک عن شيء سائل بنفسه أم لا فإذا ظهر ثانيا على کمه أو أصبع غلب على الظن کونه سائلا وإلا فلا وفي الحاوي سئل ابراهيم عن الدم إذا خرج مين بين الأسنان فقال إن کان موضعه معلوما وسال نقض وهو نجس وإن لم يعلم وخرج مع البزاق فإنه ينظر إلى الغالب (و) منها(ما روي عن محمد رحمه الله) أنه قال (الشيخ إذا کان في عينيه رمد ويسيل الدموع منها) أع من عينه على سبيل البدل (أمره) فعل مضارع مقول محمد رحمه الله (بالوضوء لوقت کل صلوة) أى کسائر أصحاب الإعذار (لأني أخاف أن يکون ما يسيل منه صديدا فيکون صاحب عذر) وتقييده بالشيخ اتفاقي ولا فرق في ذلک بينه وبين الشاب ولا بين الرمد وغيره من الأوجاع ولا بين ما من العين أو غيرها بل کل ما يخرج من دلة من أى موضع کان کالأذن والثدي والسرة ونحوها فإنه ناقض على الأصح لأنه صديد وإنما ذکر الشيخ لأن امتداد ذلک فيه غالب (وفي  الفتاوی  الغرب في العين) هو بفتح الغين المعجمة وسکون الراء جراح القروح قال في التجنيس أن الخارج منه ليس بدمع وقال فيه ولو خرج من سرته ماء أصفر وسال نقض لأنه دم قد نضج فأصفر وصار رقيقا وأما (صاحب الجرح الذي لا يرقأ) بالهمزه من رقأ الدمع والدم يرقأ بفتح العين فيهما أى صاحب الجرح الذي لا يسکن دمه عن النزف (ومن به سلس البول) أى عدم استمساکه (والمستحاضة) وقد تقدم تفسيرها وکذا من به الرعاف الدائم أو انفلأت الريح أو استطلاق البطن (يتوضؤن لوقت کل صلوة فيصلون بذلک الوضوء في الوقت ما شاء وأمن الفراض والنوافل) عندنا و قال مالک رحمه الله يجب عليهم الوضوء لکل صلوة الفرض ويصلون به النفل تبعا لحديث فاطمة بنت أبيء حبيش أنه عليه السلام قال لها توضئي لکل صلوة ولنا ما في شرح مختصر الطحاوي روي أبو حنيفة رحمه الله عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة رضي الله عنه أن النبي قال لفاطمة بنت أبي حبيش وتوضئي لکل صلوة ذکره محمد رحمه الله في الأصل مفصلا وقال ابن قدامة في المغني وروي في بعض الفاظ حديث فاطمة بنت أبي حبيش وتوضئي لوقت کل صلوة ولا شک أن هذا مفسر وکل صلوة نص محتمل فإن لفظ الصلوة شاع استعماله شرعا و عرفا في وقتها کقوله عليه السلام أن للصلوة أولا و آخرا الحديث. وقوله عليه السلام أيما رجل أدرکته الصلوة فليصل وقولهم آتيک لصلوة الظهر أى لوقتها وهو مما لا يحصي کثرة فوجب حمل المحتمل على غير المحتمل توفيقا (فإذا خرج الوقت بطل وضوء هم) وفي بعض النسخ (وکان عليهم استيناف الوضوء لصلوة اخري) وهو لفظ القدوري وفيه دفع توهم أن يبطل وضوء هم بالنظر إلى الصلوة ولا يبطل بالنظر إلى الصلوة أخري کما قال الشافعي رحمه الله أنهم إذا صلي الفرض بطل وضوء هم في حقها وبقي في حق النفل وکقول أبي يوسف رحمه الله في من تيمم لأجل جنازة فصلاها ثم حضرت أخري أن تيممه باق في حقها فلما لم يلزم من البطلان البطلان مطلقا. قال وکان عليهم استيناف الوضوء لصلوة أخري (وإن توضأت المستحاضة حين تطلع الشمس تبقي طهارتها حتي يذهب وقت الظهر عند) أبي حنيفة رحمه الله و (محمد رحمه الله خلافا لأبي يوسف رحمه الله وزفر) بناء على أن وضوء هم ينقض بالخروج فقط عند أبي حنيفة رحمه الله ومحمد رحمه الله بالدخول فقط عند زفر رحمه الله وبهما عند أبي يوسف رحمه الله وتظهر ثمرة الخلاف في الصورة المذکورة فإن وضوئهم ينتقض عند أبي يوسف رحمه الله وزفر بدخول وقت الظهر لوجود دخول الوقت وعند أبي حنيفة رحمه الله ومحمد لا ينتقض لعدم الخروج وفيما إذا توضأ وأقبل طلوع الشمس ثم طلعت يبطل وضوئهم عند أبي حنيفة رحمه الله ومحمد رحمه الله للخروج وکذا عند أبي يوسف رحمه الله وأما عند زفر فلا يبطل لعدم الدخول هذا هو المشهور ورأى فخر الإسلام أن زفر لم يرد ذلک ولا أبو يوسف رحمه الله بل الکل متفقون على انتقاضه عند الخروج وإنما لا ينتقض عند زفر بطلوع الشمس لأن قيام الوقت جعل عذرا وقد بقيت شبهة فصلحت لبقاء حکم العذر تخفيفا وإنما تلزم الطهارة بدخول وقت الظهر عند أبي يوسف رحمه الله إذا توضأ قبل الزوال لأنها ضرورية ولاضرورة في تقديمها على الوقت فلا تقع صحيحة لا أنها صحا وانتقضت بدخوله وهذ يفيد أن لا تجوز الصلوة قبل ذلک أيضا لکن ذکر في النهاية أنها غير معتبرة أصلا وقل صاحب الهداية لزفر أن اعتبار الطهارة مع المنافي للحاجة إلى الأداء ولا حاجة قبل الوقت ولأبي يوسف أن الحاجة مقصورة على الوقت فلا تعتبر قبله ولا بعده صريح في موافقة کلام فخر الإسلام وحينئذ فاخلاف فيمن توضأ قبل الزوال وقبل طلوع الشمس ابتدائي في نفس صحة الوضوء وعدمه بالنسبةُ إلى الوقتية لا مبني على مناط النقض کذا قاله الشيخ کمال الدين بن الهمام فعلى هذا ينبغي أن يجوز النفل وقضاء الفوائت بعد دخول الوقت في الصورة المذکورة عند أبي يوسف رحمه الله أيضا وعلى المشهور الذي هو البناء على مناط النقض لا يجوز وهو المفهوم من کلام المشائخ والله سبحانه اعلم. (وينبغي) وجوبا (للخروج أن يربط جرحه) أى يشده (تقليلا للنجاسة) وإن لم يکن منعا کليا فإن الطهارة واجبة بحسب إلا مکان (وإن أصاب الثوب من ذلک الدم اکثر من قدر الدرهم لزمه غسله) لأن نجاسة غليظة والزائد فهيا على قدر الدرهم مانع على ما سيأتي إن شاء الله تعإلى هذا (إذا علم أنه إذا غسله لا يتنجس ثانيا) قبل أداء الصلوة فيکون الغسل مفيدا (ولو کان) المحل الذي أصابه ذلک الدم (بحال) لو غسله (يتنجس قبل الفراغ من الصلوة ثانيا جاز له أن لا يغسل) هذا (هو المختار) للفتوي خلافا لما قال محمد بن مقاتل أنه حينئذ يفترض عليه غسله في وقت کل صلوة مرة وذلک أنه إذا کان لا يمکنه الصلوة بدون النجاسة فلا فائدة في الغسل بل يکون في اضاعة المال ولايقاس على الطهارة الحکمية لورودها على خلاف القياس (وصاحب العذر إذا منع الدم) ونحوه (عن الخروج بعلاج يخرج من أن يکون صاحب عذر) لأنه يمکنه الصلوة مع الطهارة الکاملة لعدم المنافي (ولهذا المعني المفتصد لا يکون صاحب عذر بخلاف الحائض إذا احتشت) ومنعت الدم عن الخروج حيث (لا تخرج من أن تکون حائضا) لأن صفة الحيض إذا تکررت لا يتوقف بقاؤها على حقيقة خروج الدم بخلاف العذر فإنه متعلق بحقيقة الخروج الناقض ولم توجد (رجل به جدري خرج منها ماء) صديد (هو سئل) وقد صار بسببه صاحب عذر (فتوضأ منه ثم سال) القرحة (التي لم تکن سائلة نقض) ذلک وضوء ه (لأن الجدري قروح) متعددة لا قرحة واحدة يکون کلها عذرا واحدا فصار کصاحب العذر بسبب الجرح إذا توضأ ثم بال أو سلس البول إذا توضأ ثم سال جرحه أو أحدث حدثا آخر فصار بمنزلة جرحين في موضعين من البدن أحدهما لاأرقأ لو توضأ لأجله ثم سال الآخر (وعلى هذا مسئلة المنخرين) إذا کان الدم يخرج من أحدهما وصار به صاحب عذر فتوضأ ثم سال الذي لم يکن يسيل ينتقض وضوء ه لما قلنا (وصاحب الحدث) الدائم ليس من يتصل به خروج الحدث من غير انقطاع أصلا بل هو (من لا يمضي عليه وقت صلوة کامل إلا والحدث الذي ابتلي به يوجد منه فيه) قول کامل بالرفع صفة لوقت و يجوز جره بالجوار وهذا الذي ذکره تعريف صاحب العذر في البقاء يعني بعد تقرر کونه صاحب عذر فما دام لا يمضي عليه وقت صلوة إلا وعذره يوجد فيه فهو باق على کونه صاحب عذر لکن تقرره ابتداء إنما يکون بما إذا مضي عليه وقت صلوة ولم يمکنه أن يتوضأ ويصلي خاليا من ذلک الحدث فيه فيشترط في الثبوت استيعاب الوقت بالحدث على هذه الصفة کما يشترط في الزوال استيعاب الوقت بالطهارة منه بأن يمضي الوقت ولا يوجد ذلک الحدث فيه وفيما بين ذلک يکفي للبقاء وجود الحدث في کل وقت مرة وقال الصفار لا بد للبقاء من سيلانه في الوقت مرتين أو ثلثا والأول هو المختار قياسا على الثبوت کما تقدم (وإذا توضأ صاحب العذر لحدث) آخر غير الذي ابتلي به (والدم) ونحوه من الحدث الذي ابتلي به (منقطع ثم سال فعليه الوضوء ذکره في أحکام الفقه) لأن الوضوء لم يقع لذلک العذر حتي لا ينتقض به بل وقع لغيره وإنما لا ينتقض به في الوقت ما وقع له (وإذا انقطع الدم) ونحوه من الإعذار (وقتا کاملا يخرج من أن يکون صاحب عذر) بالنظر إلى العذر المنقطع فإن کان قد توضأ وصلى على الانقطاع ودام الانقطاع لا يعيد لأنه صحيح صلي بطهارة الاصحاء وکذا لو کانا على السيلان وتم الانقطاع لأنه معذور صلي بطهارة المعذورين وکذا لو توضأ على الانقطاع وصلي على السيلان لأن العذر أنما اعتبرا للأداء وهو قائم وقت الأداء وإن توضأ على السيلان وصلي على الانقطاع وتم الانقطاع يعني باستيعاب الوقت الثاني أعاد لأنه صلي صلوة ذوي الإعذار والعذر منقطع کذا في الکافي (رجل انتثر) أى استخرج ما في أنفه بالنفس) (فسقط من أنفه کتلة دم) الکتلة بالضم من التمر والطين ونحوه ما جمع والمراد قطعة مجتمعة من الدم الجامد (لم ينتقض وضوء ه لما تقدم أن العلق وهو الدم المنجمد بحرارة الطبعية خرج عن کونه دما باحتراقه وانجماده والدم النجس هو الدم المسفوح أى السائل (وإن قطرت) أى الدم فأنه يذکر ويؤنث (انتقض) وضوء ه للسيلان وهو ظاهر (القراد) وهو الکبار من الحمنان (إذا مص) العضو (وامتلأ دما إن کان کبيرا) بأن کان ما مصه يمکن أن يسل بنفسه لو خرج من العضو انتقض به الوضوء وإن کان صغيرا بأن کان ما مصه دون ذلک (لا ينقض) فهو بمنزلة الذباب ونحوه (أما العلق إذا مصت) الواحدة منه (العضو حتي امتلأت) دما و کانت (بحيث لو سقطت) وشقت (لسال) منها (الدم انتقض) الوضوء وإن مصت قليلا بحيث لو شقت لم يسل لا ينتقض وهو ظاهر (وأما الذباب أو البعوض) والبراغيث ونحوها (أو القيء القليل) الذي لا يملأ الفم فلما لم يکن کل واحد منهما حدثا ولم يحکم الشرع بأنه ناقض للوضوء لم يکن نجسا عند أبي يوسف رحمه الله (فإذا أصاب الثوب لا يمنع جواز) الصحيح خلافا لمحمد رحمه الله لأنه لو کان نجسا لنقض الطهارة (وکذ النوم ناقض للوضوء إذا کان) النائم (مضطجعا) أى واضعا جنبه بالأرض (أو منکنا) أى معتمدا على مرفقه أو (مستندا إلى شيئ) حيث لو ازيل ذلک الشيء (لسقط) النائم أى صار من الاسترخاء بحال لولا ذلک الشيء لسقط وذلک لحديث علي رضي الله عنه أن النبي قال العينان وکاء اسله فمن نام فليتوضأ رواه ابوداؤد.

والمراد غير المتمکن على ما سيأتي إن شاء الله تعاليٰ وفي الذخيرة النوم مضطجعا أنما يکون حدثا إذا کان الاضطجاع على غيره أما إذا کان الاضطجاع على نفسه لايکون حدثا حتي أن من نام واضعا اليتيه على عقيبيه وصار شبه المکن على وجهه واضعا بطنه على فخذيه لا ينتقض وضوء ه کذا في الکفاية وفيها لو نام قاعدا و وضع اليتيه على عقبيه وصار شبه المنکب على وجهه قال ابو يوسف رحمه الله عليه الوضوء کذا في المبسوطين انتهى وفي الکافي لو نام مستندا إلى شيء لو ازيل لسقط لا ينقض في ظاهر المذهب وعن الطحاوي رحمه الله أنه لأنه إذا کان کان بهذه الصفة وجد زوال التماسک من کل وجه لأنه لم يقعد بقوة نفسه وأنما قعد بقوة الاستوانة مثلا وقال ابن الهمام الانتقاض مختارة الطحاوي رحمه الله واختاره المصنف يعني صاحب الهداية والقدوري لأن مناط النقض الحدث لاعين النوم فلما خفي بالنوم أدير الحکم على ما ينتهض مظنة له والمظنة ما يتحقق معه الاسترخاء على الکمال وقد وجد في هذا النوع من الاستناد إذ لا يمسکه إلا السند وتمکن المقعدة مع غاية الاسترخاء لا يمنع الخروج إذ قد يکون الدافع قويا خصوصا في زماننا لکثرة الأکل فلا يمنعه الأمسکة اليقظة انتهي.

وعلى هذا فالنقض في الصورة التي ذکرها صاحب الذخيرة بالطريق الأولي فإنه إذا انکب على وجهه وجعل اليتيه على عقبيه وبطنه على فخذيه ارتفع جانب الخلف من المقعدة وزا التمکن وذکر ابن الهمام عن صاحب الذخيرة أنه لو نام قاعدا واضعا الييه على عقبيه کما يفعل الکلب لا وضوء عليه في قول أبي يوسف رحمه الله وقيل هو قو أبي حنيفة انتهى فهذه الصورة ليس فيها وضع البطن على الفخذين فالمقعدة فيها متمکنة على العقيبين فعدم النقض فيها ظاهر ولو نام جالسا بتمايل ربما يزول مقعده عن الأرض وربما لا قال الحلوائي ظاهر المذهب أنه ليس بحدث وقال الحلوائي لا ذکر للنعاس مضطجعا والظاهر أنه ليس بحدث لأنه نوم قليل وقال الدقاق أن کان لا يفهم عامة ما قيل حوله کان حدثا و إن کان بسهو عن حرف أو حرفين فلا (وإن نام في الصلوة) قائما أو راکعا أو (قاعدا أو ساجدا فلا وضوء عليه) لما روي البيهقي عنه عليه السلام لا يحب الوضوء على من نام جالسا أو قائما أو ساجدا حتي يضع جنبه فإنه إذا اضطجع استرحت مفاصله وقال تفرد به يزيد بن عبدالرحمن الدالاني وري أبو داؤد والترمذي من حديث أبي خالد يزيد الدالني هذا عن قتادة عن أبي العالية عن ابن عباس رضي الله عنه أنه رأى النبي نام وهو ساجد حتي غطا ونفخ ثم قام يصلي فقلت يارسول الله إنک نمت قال أن الوضوء لا يجب على إلا على من نام مضطجعا فإنه إذا اضطجع استرخت مفاصله وقال ابوداؤد قوله أن الوضوء إلى آخره منکم لم يروه إلا يزيد الدالاني قال ابن حبان کثير الخطأ وقال غيره صدوق لکنه يتهم في الشيء وقال ابن عدي لين الحديث ومع لينة يکتب حديثه وقد تابعه على روايته مهدي بن هلال ثم أسند عن مهدي حدثنا يعقوب بن عطاء بن أبي رباح عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال قال رسول الله ليس على من نام قائماً أو قاعدا وضوء حتي يضطجع جنبه إلى الأرض وأخرج أيضا عن بحر بن کثير السقا عن ميمون الخياط عن ابن عباس رضي الله عنه عن حذيفة بن اليمان قال کنت جالسا في مسجد المدينة أخفق فاحتضتني رجل من خلفي فالتفت فإذا أنا بالنبي فقلت يا رسول الله وجب على وضوء قال لا حتي تضع جنبک على الأرض قال البيهقي تفرد به بحر و هو ضعيف قال الشيخ کمال الدين بن الهمام وأنت إذا تاملت فيما أوردناه لم ينزل عندک الحديث عن درجة الحسن أقول لما تقرر أن ضعف الراوي إذا کان بسبب الغفلة دون الفسق يزول بالمتابعة ويعلم بها أن ذلک الحديث مما أجاد فيه ولم يتهم فيکون حسنا فيکون حجة على الشافعي رحمه الله في قوله بالنقض في غير القاعد وعلى مالک في قوله بالنقض في النوم الطويل (وإن کان) الرجل (خارج الصلوة فنام على هيئة الساجد ففيه اختلاف) بين المشائخ قال ابن شجاع أنما لا يکون حدثا في هذه الأحوال في الصلوة أما خارج الصلوة فيکون حدثا وإليه مال المصنف رحمه الله حتي قال (وظاهر المذهب أنه يکون حدثا) وهو موافق لما في فتاوي قاضيخان إذا نام خارج الصلوة على هيئة الرکوع والسجود قال شمس الأئمة يکون حدثا في ظاهر الرواية لکنه مخالف لما في الخلاصة حيث قال في ظاهر المذهب لا فرق بين الصلوة وخارج الصلوة وکذا في الکفاية وقال في الهداية والصحيح يعني عدم الفرق وعن علي بن موسي القمر أنه قال لا أعرف في هذه المسئلة رواية منصوصة عن أصحابنا المتقدمين ولکن على قياس مذهبهم ينبغي أن يقال إذا نام ساجدا على الصفة التي هى سنة السجود وإن کان رافعا بطنه عن الأرض مجافيا لمرفقيه عن جنبيه لا يکون حدثا انتهي.

وهذا هو مراد من صحح هذا القول أما لوکان على غير الهيئة المسنونة فلا شک في النقض لوجود نهاية استرخاء المفاصل المذکور في الحديث قال في الکافي لم يرد به أصل الاسترخاء بل نهايته إذ أصل الاسترخاء موجود في الرکوع و السجود لأنه نتيجة النوم والنوم موجود في کل الأحوال فلو حمل آخر الحديث على أصل الاسترخاء لناقض الأول الآخر ولصار کأنه قال لا وضوء على من استرخت مفاصله أنما الوضوء على من استخرت مفاصلة ومتي حملناه على نهايته صار کأنه قال إذا وجد استرخاء المفاصل على النهاية بأن زال التماسک من کل وجه وجب وجه الوضوء ونهايته فقدت في القيام والرکوع والسجود لأن بعض التماسک باق والأسقط انتهي. فجميع کلام الشيخ حافظ الدين يفيد أن المراد بالسجود الذي لا ينقتض الوضوء بالنوم فيه السجود الذي هو مثل الرکوع والقيام في عدم نهاية الاسترخاء وبقاء بعض التماسک وعدم السقوط وإذا لم يکن السجود على الهيئة المسنونة فقد حصل نهاية الاسترخاء ولم يبق بعض التماسک ووجد السقوط. فالحاصل أن القاعدة الکلية المعتمد عليها في النقض بالنوم وجود کمال الاسترخاء مع عدم تمکن المقعدة فبهذا ينبغي أن يؤخذ عند الاختلاف واشتباه الحال إلا إنهم أخرجوا عن هذه القاعدة نوم الساجد على غير الهيئة في الصلوة قال في الخلاصة نام في سجدة التلاوة لا يکون حدثا عندهم جميعا کما في الصلوتية وفي سجدة الشکر کذلک عند محمد رحمه الله وهکذا روي عب أبي يوسف رحمه الله وسواء سجد على وجه السنة أو على غير وجه السنة نحو أن يفترش ذراعيه ويلصق بطنه على فخذيه وعند أبي حنيفة رحمه الله يکون حدثا وفي سجود السهو لايکون حدثا انتهي.

فتخصيص اختلافهم بسجدة الشکر فحسب وهى غير مسنونة عند أبي حنيفة رحمه الله مع التصريح بکونه على وجه السنة . أولا دليل على عدم النقض إجماعا في غيرها سواء کان على وجه السنة أو لا وکان وجهه إطلاق لفظ ساجدا في الحديث فيترک به القياس فيما هو سجود شرعا فيتناول سجود الصلوة والسهو والتلاوة وکذا الشکر عندهما ويبقي ما عداه على القياس فينقض إن لم يکن على وجه السنة لتمام الاسترخاء مع عدم تمکن المقعدة ولا ينقض إن کان على هيئة السنة لعدم نهاية الاسترخاء لا لأنه سجود داخل تحت إطلاق الحديث والله والموفق (وإن نام قاعدا) متربعا أو غير متربع من هيأات القعود (أو واضحا اليتيه على عقبيه) حال کونه مستويا في الحالتين أو (واضعا بطنه على فخذيه لا ينتقض) وضوئه (ذکره محإد في صلوة الأثر) وقد قدمنا أن الصحيح قول أبي يوسف رحمه الله فيما إذا کان اليتاه على عقيبيه وبطنه على فخذيه لکمال الاسترخاء وزوال تمکن المقعدة بل هذه الهيئة أيسر لخروج الريح من سائر هيأات النوم (ولو نام محتبيا) بأن جلس على اليتيه ونصب رکبتيه وشد ساقيه إلى نفسه بيديه أو بشيء يحيط من ظهره عليها (لا وضوء عليه) لشدة تمکن المقعدة وعدم تمام الاسترخاء (وکذا لو وضع) في هذه الحالة رأسه (على رکبتيه) لما قلنا ولا اعتبارلما ذکر في غاية البيان من تفسير الاتکاء بهذه الهيئة والحکم بالنقض فإن هذه الهيئة لا تعرف في اللغة اتکاء قطعا وإنما تسمي احتباء وإنما سها الأتقاني في ذلک التفسير وتبعه فيه من لاخبرة له ولافقه عنده وفي الخلاصة وإن قام متربعا لا ينقض الوضوء کذا لو نام متورکا وهو أن يخرج قدميه من من جانب ويلصق اليتيه بالأرض (وإن سقط النائم) نوما لا ينقض ينظر (إن انتبه بعد ما سقط على الأرض فعليه الوضوء) وعن أبي حنيفة رحمه الله إن انتبه قبل أن يزاايل مقعده الأرض لم ينتقض وضوء ه وعن أبي يوسف رحمه الله إنه ينتقض (وإن انتبه قبل السقوط فلا وضوء عليه) وعن محمد رحمه الله أنه إن زايل مقعده الأرض قبل أن ينتبه انتقض وضوء ه وإن انتبه قبل أن يزايل مقعده الأرض لم ينقتض کذا ذکره في الخلاصة . قال والفتوي على رواية أبي حنيفة رحمه الله ثم قال قال شمس الأئمة الحلوائي ظاهر المذهب عن أبي حنيفة رحمه الله کما روي عن محمد رحمه الله قيل وهو المعتمد سواء سقط أو لا انتهي.

وما افتي به هو الأولي إذ لم يتم الاسترخاء بعد مزايلة المقعد حيث انتبه بمجرد السقوط فورا (وإن نام على دابة عريانة) ينظر (إن کان) نومه عليها حالة الصعود أو)حالة (الاستواء لا ينتقض) وضوء ه لتمکن مقعدته (وإن کان) ذلک حالة الهبوط ينتقض) لعدم تمکنها وهذه المسئلة تؤيد النقض في صورة وضع بطنه على فخذيه کما اخترناه من قول أبي يوسف رحمه الله فيما تقدما آنفا (ولوکان راکبا في الأکاف أو في السرج لا ينتقض وضوء ه في الحالين) أى حالي الهبوط وضده من الصعود والاستواء للتمکن في کل الأحوال (وکذا الإغماء والجنون) کل منهما ناقض للوضوء وإن) أى ولو (قل) لکونهما فوق النوم لأن النائم إذا نبه انتبه بخلافها والإغماء قال الأکمل هو مرض يضعف القوي ولايزيل الحجي أى العقل وسببه امتلاء بطون الدماغ من بلغم غليظ انتهي.

وفي الطب هو تعطل القوي واجتماع الروح فالحاصل أنه نوع مرض وليس کالجنون في إزالة العقل فلذا صح على الأنبياء دون الجنون (وکذا السکر) ناقض أيضا وهو سرور يغلب على العقل فيمنعه عن العمل بموجبه والأولي أنه حالة تعرض للإنسان من امتلاء دماغه بالأبخرة المتصاعدة اليه فيتعطل معها عقله المميز بين الحسن والقبيح عن تمييزه المعتاد (وحد السکر) أى علامته (أن لا يعرف) السکران (الرجل من المرأة) هذا حده عند أبي حنيفة رحمه الله في ايجاب الحد لا في نقض الوضوء والصحيح في حده في النقض ما قال (في المحيط) إنه (إذا دخل في) مشيته بکسر الميم (تحرک) أى غير اختياري فهو سکران بالاتفاق يحکم بنقض وضوء ه لزوال الممسکة به وأنما اختار أبو حنيفة رحمه الله ذلک التعريف هنا احتياطا لدرء الحد وکذا عندهما هناک حده أن يهذي في کلامه والهذيانا هو الاختلاط في الکلام وللاحتياط هنا في النقض اختاروا کلهم ادني درجاته وهو اختيار الشافعي رحمه الله هناک أيضا (وکذا القهقهة في کل صلوة ذات رکوع وسجود) الفقهاء لا يناقشون في التيان بلفظة کل في مثل هذا الموضع إذ علم المراد ولم يشتبه فالقهقهة في الصلوة ذات الرکوع والسجود (تنقض الوضوء والصلوة جميعا سواء کان القهقهة عامدا) أى عالما بأنه في الصلوة (أو ناسيا) ذلک وقال مالک رحمه الله والشافعي رحمه الله واحمد رحمه الله القهقهة لا تنقض الوضوء وهو القياس لکنا ترکناه بما روي مرسلا و مسندا أنه عليه الصلوة والسلام قال من ضحک منکم قهقهة فليعد الوضوء والصلوة جميعا.

قال الشيخ کمال الدين بن الهمام واعترف أهل الحديث بصحته مرسلا ومداره على أبي العالية وأن رواه غيره کالحسن وإبراهيم النخعي وغيرهما فقد أخرج ابن مهدي عن حماد بن زيد عن حفص عن أبي العالية والحسن يرويه عن أبي العالية وقد رواه وأبو حنيفة رحمه الله عن منصور بن زاذان الواسطي عن أعمي يريد الصلوة فوقع في رکية فاستضحک القوم فقهقهوا فلما انصرف عليه الصلوة والسلام قال من کان منکم ضحک قهقهة فليعد الوضوء والصلوة قيل معبد لا صحبة له فهو مرسل أيضا قلنا الذي لا صحبة له هو معبد البصري الجهني الذي کان يقول الحسن فيه إياکم ومعبدا فإنه ضال مضل ومعبد هذا أنما هو الخزاعي کما صرح به في مسند أبي حنيفة رحمه الله ولاشک في صحبته ذکره ابن منذر وأبو نعيم في الصحابة ورويا له حديث جابر رضي الله عنه لما هاجر رسول الله وأبوبکر مر ابخباء أم معبد وکان صغيرا فقال ادع هذه الشاة الحديث ولو سلم فإذا صح المرسل وهو حجة عندنا فلا بد من العمل به وأبو العالية اسمه رفيع من ثقات التابعين وروي مسندا عن عدة من الصحابة أبي موسي الأشعري رضي الله عنه وأبوهريرة رضي الله عنه وابن عمر رضي الله عنه وأنس رضي الله عنه وعمران بن الحصين رضي الله عنه واسلمها حديث ابن عمر رضي الله عنه رواه ابن عدي في الکامل من حديث عطية بن بقية ثنا أبي ثنا عمرو بن قيس عن عطاء عن ابن عمر رضي الله عنه قال قال رسول الله من ضحک في الصلوة قهقهة فليعد الوضوء والصلوة وما طعن به من أن بقية مدلس مدفوع بان المدلس الثقة إذا صرح بالتحديث زالت تهمة التدليس عن حديثه وبقية من هذا القبيل وما يطعن به بعض المفتقهين من أنه لم يکن بمسجده عليه الصلوة والسلام رکية ومن أنه کيف تقع القهقهة من الصحابة وهم خلف النبي في الصلوة في غاية الوها بعد ثبوة الحديث على أنه لا يلزم أنه کان يصلي في المسجد في تلک الواقعة ولا أن القهقهة وقعت من الصحابة المعتبرين فقد کان يصلي خلفه عليه الصلوة والسلام المنافقون ونحوهم من الإعراب والإحداث ومن هو قليل التمالک والطعن في مثله مردود على الطاعن (وأن قهقهة في صلوة الجنازة أو سجدة التلاوة لا ينتقض) وضوء ه لأن الحديث ورد في صلوة مطلقة أما في واقعة الحال فظاهر وأما في مثل حديث ابن عمر فلان الصلوة مذکورة مطلقا وهى تنصرف إلى ذات الرکوع والسجود عند الإطلاق لأنها المعهودة عنده وما کان خارجا عن القياس لا يقاس عليه وفي أکثر النسخ ذکر بعد سجدة التلاوة سجدة السهو وهو سهو لأن القهقهة في سجود السهو ناقضة قطعا لأنه في حرمة الصلوة ذات الرکوع والسجود فإن سلام من عليه السهو لا يخرجه عن الصلوة عند محمد وعندهما وإن خرجه لکن إذا سجد للسهع عاد إليها (وإن نام في صلوته ثم قهقهه فسدت صلوته ولا ينتقض وضوء ه ذکره في الأصل) کذا في عامة  الفتاوی  وقال في الخلاصة هو المختار أما فساد الصلوة فإنها کالکلام وکلام النائم تفسد به الصلوة على ما اختاره قاضيخان و صاحب الخلاصة وآخرون وأما عدم النقض فلکون النقض بها على خلاف القياس ولأنه باعتبار معني الجنابة وقد زال بالنوم (وقال في المحيط فسدت صلوته و وضوء ه به أخذ عامة المتأخرين) أما الصلوة فلمّا تقدم أما الوضوء فلأنها حدث في الصلوة ولا فرق في الإحداث بين النوم واليقظة فإنه لو احتلم يجب الغسل کما لو انزل بشهوة في اليقظة وکما لو خرج منه نجاسة وفيه نظر لا يخفي وعن أبي حنيفة رحمه الله تکون حدثا ولا تفسد الصلوت فيتوضأ إذا انتبه ويبني على صلوته أما کونها حدثا فلمّا تقدم في الوجه قبله وأما عدم فساد الصلوة فبناء على إن کلام النائب لا يفسدها على ما اختار فخر الإسلام لأنه ليس بکلام لصدوره من لا اختيار له ولذا لو قرأ نائما لا يجزي عن القراء ة في المختار وکذا سائر الأرکان ما فعل منها حال النوم لا يحتسب ولا يقع طلاقه ولا عتاقه والذي اختاره فخر الإسلام في الأصول وصححه من بعده من الأصوليين أنها لا تفسد الصلوة ولا الوضوء أما الصلوة فلما في القول الثالث و أما الوضوء فلما في القول الأول (وإن قهقه الصبي في صلوته لا ينتقض وضوء ه) لانعدام معني الجناية فهذا الذي تقدم حکم القهقهة (وأما التبسم فلا ينقض الوضوء) بالإجماع وکذا لا ينقض الصلوة أما الوضوء فلانه دون القهقهة فلا يلحق بها وأما الصلوة فلانه ليس بکلام لکونه غير مسموع (وحدّ القهقهة قال بعضهم ما يظهر فيه القاف والهاء) مکررتين قال في القاموس قهقهة رجع في ضحکه أو اشتدّ ضحکه أو قال في ضحکه قه فإذا کرره قيل قهققه انتهي. لکن هذه الصفة لم نسمعها قط وقوله (ويکون مسموعا له ولجيرانه أى لمن عنده کاف في حدها وسواء بدت نواجذه أم لا رواه الحسن عن أبي حنيفة رحمه الله وهو المشهور جدّا و وقوعا (قال بعضهم وهو) شمس الأئمة الحلواني حد القهقهة موجود (إذا بدت نواجذه و منعه) الضحک (عن القراء ة) والنواجذ بالذال المعجمة وهى الأضراس وقيل أقصاها وهو بعيد قيل الأنياب وهى جمع ناجذ (وحد التبسم ما لا يکون مسموعا) أصلا (له و) لا (لجيرانه وذکر) في  الفتاوی  (الخاقانية) وکذا في غيرها (التبسم لا يبطل الوضوء والصلوة) لما تقدم والضحک يفسد الصلوة لأنه کلام لکونه مسموعا لا يفسد (الوضوء) لکونه دون القهقهة فلا يلحق بها (وحد الضحک أن يکون مسموعا له دون جيرانه وکذا المباشرة الفاحشة ناقضة (للوضوء من الرجل والمرأة وإن لم يخرجمذي (عند أبي حنيفة رحمه الله وأبي يوسف رحمه الله) خلافا لمحمد رحمه الله وهى ان يمس بطنه بطنها أو ظهرها و فرجه منتشرا فرجها من غير حائل من جهة القبل والدبر ولمحمد رحمه الله أن التيقن بعدم الخروج غير مسلم بين الرجل والأمرد وبين الرجلين وبين المرأتين تنقض عندهما (وأما مس الذکر أو اکل شيء مما مسته النار) مباشرة کالشواء أو بحائل کغيره فإنه (لاينقض الوضوء عندنا خلافا للشافعي رحمه الله) أمّا النقض مما مسته النار فلم يقل به الشافعي رحمه الله ولاغيره من الأئمة وأمّا مس الذکر فينقض عنده إذا کان بباطن الکف وکذا عند مالک رحمه الله وأحمد رحمه الله وأقوي ما استدلوا به حديث بسرة بنت صفوان أن رسول الله قال من مس ذکره فليتوضأ رواه مالک رحمه الله في المؤطا وأبو داؤد والنسائي وقال الترمذي حسن صحيح وأما حديث عائشة رضي الله عنه أنه عليه الصلوة والسلام قال ويل للذين يمسون فروجهم ثم يصلون ولا يتوضؤن الحديث فضعيف و لنا ما روي أبو داؤد والترمذي والنسائي عن ملازم بن عمرة عن عبدالله بن بدر عن قيس بن طلق بن على عن أبيه عن النبي أنه سئل عن الرجل يمس ذکره في الصلوة فقال هل هو إلا بضعة منک قال الترمذي هذا الحديث أحسن شيء يروي في هذا الباب ورواه ابن حبان في صحيحه والطحاوي وقال هذا حديث مستقيم الإسناد غير مضطرب في أسناده ومتنه و أسند إلى ابن المديني أنه قال حديث ملازم بن عمرو أحسن من حديث بصرة وعن عمرو بن عي الفلاس أنه قال حديث طلق عندنا أثب من حديث بسرة بن صفوان انتهي.

وقولهم حديث بسرة ناسخ لأن طلقا قدم في أول سني الهجرة ومتن حديث بسره رواه أبوهريرة رضي الله عنه وهو متأخرالإسلام.

إنما يصح أن لو أثبتوا أنه لم يعده بعد ذلک قط وليسوا بقادرين على ذلک کيف وهم قد رووا عنه حديثا ضعيفا من مس ذکره فليتوضأ وقالوا سمع منه عليه الصلوة والسلام الناسخ والمنسوخ على أن حديث أبي هريرة ضعيف أيضا لأن في سنده يزيد بن عبدالملک ثم حديث طلق مرجع بما تقدم عن ابن المديني وغيره وبأن حديث الرجال أقوي لأنهم أحفظ وأضبط ولذا جعلت شهادة امرأتين بشهادة رجل و بأن أمر النواقض ممايحتاج إليه الخاص والعام وقد ثبت عن علي رضي الله عنه وعمار رضي الله عنه بن ياسر رضي الله عنه وعبدالله بن مسعود رضي الله عنه وابن عباس رضي الله عنه وحذيفة اليمان رضي الله عنه وعمران بن حصين رضي الله عنه وأبي الدردا رضي الله عنه وسعد بن أبي وقاص رضي الله عنه أنهم لا يرون النقض منه فخفاؤه عن هؤلاء مع احتياجهم إليه وظهوره لامرأة غير محاجة إليه في غاية البعد مع ما فيه من مخالفة القياس ففيه الانقطاع الباطن من وجوه ولو قدر أنهما تعارضا وجب الرجوع إلى القياس وکذا کان بشهوة أو بدونها وقال مالک رحمه الله و أحمد رحمه الله ينقض إن کان بشهوة واستدلوا بقوله تعاليٰ أو لا مستم النساء قلنا ذهب جماعة من الصحابة أن المراد به الجماع وجماعة منهم أن المراد به حقيقته ورجح مذهب الأولين بالمعني وهو أنه سبحانه أفاض في بيان حکم الحديثين الأصغر والأکبر عند القدرة على الماء بقوله تعالى إذا قمت إلى الصلوة إلى قوله وإن کنتم جنبا فاطهروا فتبين أنه الغسل ثم شرع في بيان الحال عند عدم القدرة على الماء بقوله وإن کنتم مرضي إلى آخره ولفظ لامستم مستعمل في الجماع فيجب حمله عليه ليکون بيانا لحکم الحدثين عند عدم الماء کما بين حکمهما عند وجوده ويدل عليه من السنة ما في مسلم من مس عائشة رضي الله عنه قدميه عليه الصلوة والسلام حين طلبته لما فقدته ليلا وهما منصوبتان في السجود ولم يقطع صلوته لذلک والجواب بأنه کان مستور القدمين في تلک الحالة في غاية البعد وعن عائشة أنه عليه الصلوة والسلام کان يقبّل بعض نسائه فلايتوضأ رواه البراء في مسنده بأسناد حسن (ولو حلق الشعر) أى رأسه أو لحيته أو شاربه (أو قلم الأظفار بعد ما توضأ لايجب عليه إعادة الوضوء) ولا إعادة غسل ما تحت الشعر أو الظفر فلا يزول حکمه الغسل و المسح في محله وقع طهارة حکمية للبدن کله من الحدث لايختص بذلک المحل فلا يزول حکمه بزواله وعلى هذا لو کان في بعض أعضائه بثرة قد انتثر جلدها فوقع الغسل أو المسح عليها ثم قشرت أو قدر بعض جلد رجله أو غيرها من الأعضاء بعد الوضوء أو الغسل لاتبطل طهارة ما تحت ذلک لما قلنا (ومن تيقن في الوضوء) أى تيقن به (وشک في الحدث) وکأنه عدي التيقن يفي مشاکلة للشک (فلاوضوء عليه) الأصل في هذا أن اليقين لا يزول بالشک وأن القرينة ترجح أحد طرفي الشک فعليه يبتني مثل هذه المسائل فإذا أنه متوضيء والشک هل انتقض وضوء ه أم لا فهو على وضوء ه (ومن شک في الوضوء وتيقن في الحدث) أى تيقن أنه أحدث وشک هل توضأ بعد ذلک أم لا فهو محدث (فعليه الوضوء ومن شک في خلال الوضوء) في غسل بعض أعضاء ه هل غسله أم لا فعدم غسله کان إلى الشک ولايلزم غسل ماشک فيه (ما لم يتيقن) بعدم غسله لأن التمام قرينة ترجح غسله وکذا من علم أنه جلس لقضاء الحاجة وشک هل قضاها أم لا فعليه الوضوء لما قلنا و ليقس على ذلک ولو تيقن أنه لم يغسل عضوا من أعضاء الوضوء ونسي أى عضو هو ذکر في مجموع النوازل أنه يغسل الرجل اليسري ومن رأى بللا بعد الوضوء لا يعلم هل هو ماء أو بول إن کان أول ما عرض له أعاد الوضوء وإن کان الشيطان يربيه کثيرا لا يلتفت إليه لتيقنه بالطهارة و شکه في الحدث وينبغي أن ينضح فرجه وسراويله بالماء إذا توضأ قطعا لوسوسة قاله في الخلاصة لکن هذه الحيلة إنما تنفع إذا کان قريب العهد بالوضوء أما إذا بعد وجف العضو فلا انتهي. والذي ينفع بکل حال حشو القطن والله أعلم

فصل في الأنجاس

لما فرغ المصنف من بيان النجاسة الحکمية وبيان تطهيرها أصلا و خلفا شرع في بيان النجاسة الحقيقية وقدم الحکمية لکثرة وقوعها واهميتها حيث لا يعفي شيء منها (النجاسة) هى في الأصل مصدر نجس ينجس بضم عينها وبکسرها في الماضي وفتحا في المضارع فهى اسم معني وتطلق على الجسم النجس فهى اسم عين وهى (على ضربين) أى على نوعين (نجاسة غليظة) أى شديدة في منع جواز الصلوة (ونجاسة خفيفة) التأثير بالنسبة إلى الغليظة (أما النجاسة الغليظة) اکتفي بالتمثيل في بيان النجاستين عن التعريف للاختلاف فيه بين أبي حنيفة رحمه الله وصاحبيه مع عدم سلامته عن النقض في کلا المذهبين فعلى قول أبي حنيفة رحمه الله هو النجس الذي لم يتعارض نصا في کونه نجسا والخفيفة بخلافه ويرد على تعريفه سؤور الحمار حيث حصل التعارض في کونه نجسا ولم يحکم بنجاسة وعلى تعريفهما المني حيث اختلف فيه وهو مغلظ فالنجاسة المغلطة (کالعذرة) وهى رجيع الإنسان (والبول) أى بول ما لا يؤکل لحمه غير الفرس وأطلقه اعتمادا على ما يذکره من بعد في مثال الخفيفة (والدم) المسفوح (ونجو الکلب) أى رجيعه وکذا سائر سباع البهائم (ولحم الخنزير وسائر أجزائه هذه) الأشياء نجاستها معلومة في الدين بالضرورة لا خلاف فيها الأشعر الخنزير لما أبيح الانتفاع به للخرز ضرورة قال محمد رحمه الله أنه لو وقع في الماء لا ينجسه (وکذا لحوم) أى حيوان (لا يؤکل لحمه إذا لم يکن) ذلک الحيوان (مذکي) أى مذبحوحا (بالتسمية) حقيقة أو حکما والذابح مسلم أو کتابي فإن تلک اللحوم إذ ذاک نجسة نجاسة غليظة (أما إذا ذبح) ذلک الحيوان الذي لا يؤکل لحإه (بالتسمية)حقيقة أو حخم کالناسي وکان الذابح مسلما أو کتابيا (وصلي) أحد (مع لحمه أو جدده قبل الدباغة فيجوز) ما صلي . أمّا بعد الدباغة فلا خلاف فيه عندنا وهذا الذي ذکره هو اختيار صاحب الهداية وطائفة والصحيح إن اللحم لا يطهر بالذکوة . قال في الأسرار جلود السّباع تطهر بالذکوة عندنا خلاف لشافعي رحمه الله ثم قال فإن قيل الجلد يکون متصلا باللحم واللحم نجس ولا يطهر بالذکوة فکيف يکون الجلد طاهرا.

قلناؔ من مشائخنا من يقول اللحم طاهر وإن لم يحل الأکل ومنهم من يقول نجس وهو الصحيح عندنا لما مرّ أن الحرمة في مثله تدل على النجاسة ولکنا نقول بين الجلد واللحم جليدة رقيقة تمن مماسة اللحم الجلد فلا ينجس.

وذکرؔ الناطقي إذا صلي ومعه من لحم السباع کالثعلب ونحوه أکثر من قدر الدرهم لا تجوز صلوته وإن کان مذبوحا وعن الفقيه أبي جعفر إذا صلي و معه لحم سباع الوحش قد ذبح لا تجوز صلوته ولو وقع في الماء أفسده وکذا قال في الکافي ولحمها نجس في الصحيح. واعترض الشيخ کمال الدين على قولهم بين اللحم والجلد جلدة رقيقة إلى آخره بأنه إذا کان کذلک فلا يظهر عمل الذکوة في ازالة الرطوبات عن الجلد لتوقف أو الدبغ بقوله عليه الصلوة والسلام لاتنتفعوا من المتة باهاب فإنه يفيد توقف إطلاق الانتفاع على عدم کونها ميتة وإن کانت ميتة فعلى الدّباغ لأن الأهاب اسم لما لم يدبغ من الجلود فالحاصل إن في طهارة جلد ما لا يؤکل بالذکوة اختلافا ولأصح الطهارة وفي طهارة لحمه بها اختلافا والصحيح النجاسة لأن سؤره نجس وقد عللوا نجاسة حتي صاحب الهداية بأنه متولد من لحم نجس وأيضا القاعدة أن الحرمة لا للکرامة مع الصلاحية للغذا آية النجاسة وقوله (إلّا الخنزير) استثناء إذا ذبح بالتسمية کما تقدم (لا يطهر لحمه ولا جلده) لأن نجس العين لقوله تعاليٰ فإنه رجس والضمير يعود إلى الخنزير لقربه لا إلى اللحم . لا يقال المقصود في الکلام هو المضاف فينبغي أن يصرف إليه نحو لقيت ابن زيد وکلته لأنا نقول ليس ذلک في کل موضع بل هو دائر مع القرينة فقد جوز في قوله تعالى من بعد ميثاقه العود إلى کل من العهد ولفظ الجلالة وجزم في قوله واشکروا نعمة الله إن کنتم إياه تعبدون بعوده إلى المضاف إليه لعدم صلاحية عوده إلى المضاف وفي قوله لقيت ابن زيد وکلمته بعوده إلى المضاف لأنه هو الملاقي فيکون هو المتکلم ''وفي نسخة آخر المکلم'' وما نحن فيه مثل قوله تعالى من بعد ميثاقه في صلاحيته العود إلى کل منهما لکن الموضع موضع احتياط فوجب الإعادة على ما فيه الاحيتاط وهو المضاف إليه لشموله (وأما لو دبغ جلده) أى جلد الخنزير (ففي ظاهر الرواية عن أصحابنا أنه لا يطهر وعليه عامة المشائخ) لما تقدم أنه نجس العين ولأن جلده لا يقبل الدباغ فإنه طبقات کجلد الآدمي فلا يطهر لعدم احتمال المطهر (وروي عن أبي يوسف رحمه الله) في غير ظاهر الرواية (أنه) أى جلد الخنزير أيضا (يطهر) بالدباغ (ويجوز بيعه) والانتفاع به والصلوة فيه وعليه لعموم قوله عليه الصلوة والسلام أيما أهاب دبغ فقد طهر رواه الترمذي . من حديث ابن عباس رضي الله عنه وصححه ورواه مسلم بلفظ آخر. والجوابؔ عن الدليل الأول أن المراد غير نجس العين ممّا کان طاهرا وينجس بالموت فالنجاسة العارضة بالموت في الجلد حکم الشرع بزوالها بالدباغ کما حکم بزوال نجاسة ميتة الإنسان المسلم بالغسل. وعنؔ الثاني أن المراد ما يقبل الدباغ بخلاف ما لا يقبله کجلد الحية والفارة فکذا الخنزير لأنه لا يقبل الدباغ (أما الأرواث) جمع روث وهو رجيع ذي الحافر (والأخثاء) جمع خثي وهو رجيع نوع البقر والفيل (فکلها نجس نجاسة غليظة عند أبي حنيفة) رحمه الله لما في البخاري من حديث ابن مسعود رضي الله عنه أتي النبي الغائط فأمرني أن آتيه بثلثة أحجار فوجدت حجرين والتمست الثالث فلم أجد فأخذت روثة فاتيته بها أخذ الحجرين والقي الروثة وقال هذا رکس فهذا نص على نجاسة الروث لم يعارضه دليل على طهارته فيکون مغلظا على ما تقدم من أصله في تعريف النجاسة الغليظة والخفيفة فإن قيل قد عارضه ما في البخاري أيضا من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال له عليه الصلوة والسلام أبغني أحجارا استنفض بها ولا تأتني بعظم ولا بروثة . قلت ما بال العظم والروثة قال هما من طعام الجن ونحوه في الترمذي لا تستنجوا بالروث ولا بالعظام فإنه زاد إخوانکم من الجن فإنه يدل على طهارة الأرواث لکونها طعام المؤمنين من الجن . ولذا قال مالک رحمه الله بطهارتها فحصل التعارض فينبغي أن تکون خفيفة عنده قلنا لا نسلم المعارضة لأنها إنما تکون مع التساوي ولا تساوي لأن ذلک دال على النجاسة بعبارته وهذا يدل على الطهارته وإنما يکون کذالک لو کان طعامهم وهو روث على حاله لم لا يجوز أن يخلقه تعاليٰ خلقا آخر ويجعله حبّا خالصا وحينئذ فطهارته لخروجه عن تلک الحقيقة کما لو نبت منه حب فإنه نجاستها فعند مالک رحمه الله هى طاهرة وبهذا يثبت التخفيف عندهما على ما تقدم من أصلها في تعريف الغليظة والخفيفة (وذکر في غنية الفقهاء) وکذا في غيرها (بول الحمار و خرء الدجاج والبط) وکذا خرء الأوز والجباري وما أشبه ذلک مما يستحيل إلى نتن وفساد (نجس بنجاسة غليظة) اجماعا (وأمّا النجاسة الخفيفة فهى کبول ما يؤکل لحمه) من البهائم وهذا عند أبي حنيفة رحمه الله و أبي يوسف رحمه الله وأمّا عند محمد رحمه الله قبول ما يؤکل لحمه طاهر لحديث العرنين حيث أمر عليه الصلوة والسلام بشربه ولهما عليه الصلوة والسلام استنزهوا عن البول فإن عامة عذاب القبر منه آخره الحاکم وقال على شرطهما ولا أعرف له علة والمحرم مقدم لي المبيح (وخر ما يؤکل لحمه من الطيور) والخرء مخصوص في العرف برجيع الطير فلذا لم يذکر قوله من الطيور في کثير من النسخ وکون خرء ما لا يؤکل لحمه نجاسة خفيفة (إنما هو في رواية الفقيه) أبي جعفر (الهندواني) عن أبي حنيفة رحمه الله وروي عنهما أن نجاسة غليظة کذا في المنظومة روي الکرخي رحمه الله أن نجساة غليظة عند محمد رحمه الله وعندهما هو طاهر وصححا شمس الأئمة السرخسي رحمه الله في مبسوطه وفي الجامع الصغير لقاضيخان أنه مخففة عندهما مغلظة عند محمد رحمه الله وصححه صاحب الهداية فقال وقد قيل الاختلاف في النجاسة وقد قيل في المقدار وهو الأصح هوؔ يقول التخفيف للضرورة ولاضرورة لعدم المخالطة فلا تخفيف ولهماؔ أنها تذرق في الهواء والتحامي متعذر فتحققت الضرورة انتهي. وقله لعدم المخالطة قال في الکافي مخالطة الناس مع الصفر والبازي والشاهين أکثر من مخالتهم مع الحمام والعصفور ولو وقع في الأواني قيل يفسدها وقيل لا وهو ظاهر الرواية قاله قاضيخان لتعذر صو الإناء عنه ووجه رواية طهارتهه أنه لا فرق بين مأکول اللحم وغيره في الخرء فکما أن خرء المأکول طاهر فکذا غيره هذا وأمّاؔ قول المصنف وقال محمد رحمه الله کلاهما طاهر يعني بول مأکول اللحم وخرء ما لا يؤکل فمسلم في بول ما يؤکل دون خرء ما لا يؤکل على قدمنا و أما بول الهرة ففي ظاهر المذهب نجس نجاسة غليظة لدخوله تحت قوله عليه الصلوة والسلام استنزهوا من البول مع عدم المعارض والمخالف.

ورويؔ عن محمد رحمه الله في الذي يعتاد البول أن بوله طاهر للضرورة وعموم البلوي لتعذر الاحتراز قال الشيخ کما ل الدين بن الهمام ولايخفي صحة هذه الرواية. وقولؔ صاحب التجنيس ولو بال السنور في البير تنزح کله لأن بوله نجس باتفاق الروايات وکذا لو أصاب الثوب أفسده يحمل على الروايات الظاهرة أو على الذي لا يعتاد البول وإلا فقد حکي هو في موضع آخر من التجنيس اختلاف المشائخ فيما إذا بال على الثوب وقال الفقيه أبو جعفر رحمه الله ينجس الإناء دون الثوب . قال الشيخ کمال الدين و هو حسن لعادة تخمير الاواني (وأمّا خرء ما يؤکل لحمه من الطيور سوي الدجاجة والبط والأوز ونحوها فطاهر) عندنا خلافا للشافعي رحمه الله وذالک کالحمامة والعصفور ونحوهما وجه قوله الشافعي رحمه الله أنه يستحيل إلى نتن وفساد کخرء الدجاج والبط. ولناؔ إنا أجمعنا على اقتناء الحمامات وترکها في المساجد مع الامر بتطهرها فعن عائشة رضي الله عنه قال امر رسول الله ببناء المساجد في الدور وإن تنظف وتطيب رواه ابن حبان في صحيحه وأحمد وأبو داؤد وعنؔ سمرة أنه کتب إلى بنيه أمّا بعد ! فإنّ النبي أمرنا أن نصنع المساجد في دورنا ونصلح صنعتها ونطهرا رواه أبو داؤد وسکت عليه فدل ذلک على طهارة خرء ها و هو وجه الاستحسان. (ولو وقع في الماء لا يفسده) لکونه طاهرا (وکذا بعر الفأرة إذا وقع في الدهن لا يفسده إذا کان قليلا) بحيث لا يظهر طعمه ولا ريحه فيه (لعموم البلوي) لقائل أن يمنع عموم البلوي في الدهن لأن الغالب فيه التخمير والحفظ وفي فتاوي قاضيخان بول الهرة والفارة نجس في أظهر الروايات يفسد الماء والثوب انتهي. وإذا أفسد الماء والثوب فإفساده الدهن أولي لوجود الضرورة فيهما دونه بخلاف ما لو وقع بعر الفأرة في الحنطة فطحنت حيث لا ينجس مالم يظهر أثره في الدقيق إذا لضروة هناک أشد حتي أن کثيرا ما يفرخ فيهما والاحتراز عنه متعذر وبخلاف السنور الذکر على ما مر لعموم البلوي وفي الاختيار وکذا بول الفارة وخرء ها يعني أنه نجس ثم قال والاحتراز عنه ممکن في الماء غير ممکن في الطعام والثياب فيعفي عنه فيهما وهذا موافق لما ذکرهنا فإن الدهن من جملة الطعام اللهم ألا أن يحمل الطعام على الحنطة نحوها والاحتياط أولي (البيضة إذا وقعت من الدجاجة في الماء أو في المرقة لا تفسده وکذا السخلة) إذا وقعت من أمها رطبة في الماء لا تفسده کذا في کتب  الفتاوی  وهذا لأنّ الرطوبة التي عليها ليست بنجسة لکونها في محلها (وکذا الأنفحة) بکسر الهمزة وفتح الفاء وقد تکسر وهى ما يکون في معدة الرضيع من أجزاء اللبن طاهرة عند أبي حنيفة رحمه الله لا تفسد الماء ولا غيره (إذا خرجت من شاة ميتة) سواء کانت جامدة أو مائعة وعندهما المائعة نجسة والجامة متنجسة تطهر بالغسل فيفسد أن الماء وغيره إلا إذا غسلت الجامدة أما لو خرجت من مذکاة فلا خلاف في طهارتها لهما أن المحل تنجس بالموت فتنجس ما فيه إلا أن نجاسة الجاهدة بالمجاوة وغسلها ممکن فتطهر بالغسل وله أن الوعاء لأنها في معدتها والخلاف في لبن الميتة على هذا (أمّا الماء المستعمل فنجس نجاسة غليظة عند أبي حنيفة رحمه الله) في رواية الحسن بن زياد عنه لقوله عليه والسلام لا يبولن أحدکم في الماء الدائم ولا يغتسلن فيه من الجنابة نهى عن الاغتسال في الماء الدائم کنهيه عن البول فيه ولأنه ماء ازيلت به نجاسة حکمية فيعتبر زيل به الحقيقة بل أولي إذا القليل من الحقيقة عفو ومن الحکمية لا (وعند أبي يوسف رحمه الله) هو نجس نجاسة خفيفة وهى رواية عن أبي حنيفة رحمه الله أيضا للاختلاف في نجاسته ولضرورة تعذر صون الثياب عنه فخف حکمه. (وعند محمد رحمه الله) وهى رواية عن أبي حنيفة أيضا هو طاهر (غير طهور) أى غير مطهر (وبه أخذ أکثر المشائخ) وهو ظاهر الرواية وعليه الفتوي لأن الماء إذا استعمل في محل فأقصي أحواله أن يعطي له حکم ذلک المحل وأعضاء المحدث طاهرة حتي لو حمله إنسان وصلي به جازت صلوته لکن لا يحل أداء الصلوة ببدن محدث فالماء المستعمل يصير بهذه الصفة فإذا أصاب الثوب جازت صلوته فيه ولو توضأ به لم تجز صلوته ولأنه لما أديت به قربة تغيرت صفته کما أديت به زکوة يصير وسخا وحرم تناوله لغني وهاشمي وابيح للفقير ضرورة کما حلت الميتتة لها فکذا الماء لم يبق مطهرا کذا في الکافي لکن هذا التشبيه غير ظاهر لأن مال الزکوة حُرم على الغني والهاشمي قبل أن تؤدي الزکوة مرة لأنها لا تکون مؤدّاة إلا عقيب الدفع والماء ليس کذلک فإنه لا يخرج عن المطهرية قبل أن يستمعل ومما يدل على عدن نجاسة الماء المستعمل أنه لم يرو عن النبي والصحابة التحرز عنه مع احتياطهم في الطهارة وتحرزهم عن قليل النجاسة وإن خفت فدل على طهارته وکونهم لم يرو عنهم حفظه ولا حمله في الأسفار سيما في الأماکن العديمة المياه ولم يرو عن أحد منهم أنه أخذ الماء الذي سال من وضوء غيره أو غسله في إناء فتوضأ به دليل ظاهر على أنه غير مطهر ومن تتبع أخبارهم حصل له بذلک علم ضروري ولا فرق في هذا بين أن يکون مستعملا محدثا أو غير محدث بأن توضأ على الوضوء وقال زفر رحمه الله إن کا غير محدث فالماء الذي استمعله طاهر مطهر لأن حکم البند کان کذالک تجوز الصلوة به قلنا لمّا نوي القربة وقد ازداد به طهارة على طهارة ونورا على نور على ما جاء ت به الآثار وأن يکون طهارة جديدة حکما إلا بإزالة النجاسة حکما وهى نجاسة الآثام فصار الطهارة على الطهارة وعلى الحدث سواء حکما فلا يبقي مطهرا (والماء المستعمل) هو کل (ماأزيل به حدث) أصغر أو أکبر (واستعمل في البدن على وجه القربة) هذا حدّ الماء المستعمل على قول أبي حنيفة رحمه الله وأبي يوسف رحمه الله فإنه عندهما يصير مستعملا بأحد شيئين أما بإزالة الحدث أو باستعماله في البدن على وجه القربة وبينهما عموم وخصوص من وجه فيجتمعان في مثل ما إذا توضأ المحدث بالنية وينفرد الأول في مثل ما إذا توضأ المحدث بلا نية.

والثاني في مثل ما إذا توضأا المتوضي بالنية وعند محمد رحمه الله لا يصير الماء مستعملا بمجرد رفع الحدث بل بالاستعمال على وجه القربة في البدن سواء رفع الحدث أم لا لأن ثبوت حکم الاستعما أنما هو بسبب انتقال نجاسة الآثام إليه على ما في الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله قال إذا توضأ العبد المسلم أو المؤمن فغسل وجهه خرج من وجهه کل خطيئة نظر إليها بعينه مع الماء أو مع آخر قطر الماء فإذا غسل يديه خرج من يديه کل خطيئة بطشتها يداه مع الماء أو مع آخر قطر الماء فإذا غسل رجليه خرجت کل خطيئته مشتها رجلاه مع الماء أو مع آخر قطر الماء حتي يخرج نقيا من الذنوب رواه مسلم وذلک لا يکون إلا بنية التقرب اجماعا وقالا إسقاط الفرض مؤثر أيضا لأنة لمّا غسل الأعضاء وقد حل فيها ما يمنع الصلوة تحول ذلک المانع إلى الماء وصار نظير تحول الآثام ثم إنما يصير مستعملا إذ أزال عن البدن في الغسل أو عن العضو الذي استعمل فيه في الوضوء لضرورة التطهير والاستقرار في مکان ليس بشرط قال في الهداية الصحيح أنه کما زايل العضو صار مستعملا لأن سقوط حکم الاستعمال قبل الانفصال للضرورة ولا ضرورة بعده انتهي. وکذا في المحيط أن الاجتماع في مکان ليس بشرط وهذا هو مذهب أصحابنا قال وما ذکر في شرح الطحاوي أن الماء أنما يأخذ حکم الاستعمال إذا استقر في مکان فذاک قول سفيان الثوري وإبراهيم النخعي وبعض مشائخ بلخ وهو اختيار الطحاوي وبه کان يفتي ظهير الدين المرغيناني أمّا مذهب أصحابنا فما ذکرنا وعن هذا قلنا أن من نسي مسح رأسه فأخذ مآء من لحيته ومسح به رأسه لا يجوز انتهي.

وفي  الفتاوی  الظهيرية اتفق علماؤنا أن الماء الذي تأدت به القربة ما دام مترددا في العضو لا يعطي له حکم الاستعمال فإذا زايل العضو ولم يصل إلى الأرض ولا إلى موضع يستقر فيه بل هو في الهوا إذا نزل على عضو إنسان وجري فيه لم يصر متوضيا انتهي. هکذا في الکفاية وفي الخلاصة والمختار ما ذکرنا أنه لا يصير مستعملا مالم يستقر في مکان ويسکن عن التحرک انتهي. وقوله إذا استعمل في البدن احتراز عمّا إذا استعمل في غيره من الثوب ونحوه بنية القربة فإنه لا يصير مستعملا ويدخل فيه ما لو غسل يديه قبل الطعام أو بعده بنية إقامة السنة حيث يصير مستعملا ويتفرع على ما ذکرنا (امرأة غسلت القدر أو القصاع أو) غسلت (يدها من الوسخ أو العجين لا يصير) ذلک الماء مستعملا) هذا إن لم يکن على يدها حدث بالاتفاق لعدم وجود شيء من الأمرين وإلا فعلى قول محمد رحمه الله خاصة لعدم الاستعمال على وجه القربة وفي فتاوي قاضيخان المحدث أو الجنب إذا أدخل يده في الإناء للاغتراف وليس عليها نجاسة لا يفسد الماء يعني لا ينجس ولا يصير مستعملا وکذا لو أدخل يده في الإناء للإغتراف وليس عليها نجاسة لا يفسد الماء يعني لا ينجس ولا يصير مستعملا وکذا لو أدخل يده في الجب إلى المرفق لإخراج الکوز لا يصير مستعملا وکذا الجنب إذا أدخل رجله في البير في طلب الدلو لا يصير مستعملا لمکان الضرورة بخلاف ما لو أدخل يده أو رجله للتبرد فإنه يصير مستعملا لانعدام الضرورة ولو أخذ الجنب الماء بفمه لا يريد المضمضة لا يصير مستعملا عند محمد رحمه الله وقال أبو يوسف رحمه الله لا يبقي طهورا قال قاضيخان هو الصحيح أمّا لأنه صار مستعملا بسقوط الفرط أو لأنه خالطه البزاق فلا يکون طهورا و إن أدخل الجنب والمحدث يده في الإناء يريد الغسل إن أدخل الأصابع دون الکف لا يصير مستعملا وإن أدخل الکف يصير مستعملا کذا في الخلاصة وفيها الطاهر إذا اغتسل في البير بنية القربة أفسده وإن انغمس لطلب دلو وليس على بنده نجاسة ولم يدلک فيه جسده لم يفسده عندهم جميعا أقول وکذا لو دلک جسده لازالة الوسخ ينبغي أن لا يفسده لأن الفرض أنه طاهر ولم ينو القربة ولو غسل المحدث غير اعضاء الوضوء فلأصح أنه لا يصير مستعملا ويجوز الوضوء به وکذا إذا غسل ثوبا أو إناء طاهررا و إن أدخ رحمه الله الصبي يده في الماء وعلم أن ليس بها نجس يجوز التوضوء به وإن شک في طهارتها يستحب أن لا يتوضأ به وإن توضأ جاز هذا إذا لم يتوضأ الصبي به فإن توضأ به ناويا اختلف فيه المتأخرون والمختار أنه يصير مستعملا إذا کان عاقلا لأنه نوي قربة معتبرة وإن انتضح من غسالة الجنب في الإناء لا يفسد الماء أما إن سال فيه سيلانا فإنه يفسده وعلى هذا حوض الحمام وعلى قول محمد رحمه الله وهو المختار لا يفسده ما لم يغلب عليه على ما تقدم في فصل المياه ويکره شرب الماء المستعمل ويجوز الانتفاع وبالماء النجس في تحويل الطين وسقي الدواب (وکل أهاب دبغ فقد طهر) لحديث ابن عباس المتقدم في أوائل الفصل وفي الصحيحين عنه أيضا قال تصدق على مولاه لميمونة بشاه فماتت فمر بها رسول الله هلا أخذتم أهابها فدبغتموه فانتفعتم به فقالوا أنها ميتة قال إنما حرم أکلها وأمّا ما رواه أصحاب السنن عن عبدالرحمن بن ابي ليلي عن عبداله بن عکيم عنه عليه السلام أنه کتب إلى جهينة قبل موته بشهر أن لا تنتفعوا من الميتة بأهاب ولاعصب حسنه الترمذي وعند أحمد بشهر أو شهرين فليس في قوة حديث ابن عباس حتي يعارضه وينسخه مع ما في متنه وسنده من الاضطراب ففي سنده في رواية أبي داؤد من جهة خالد الحذا عن الحکم بن عتيبة بالفوقانية عن عبدالرحمن أنه انطلق هو و أناس إلى عبدالله بن عکيم قال فدخلوا وقفت على الباب فخرجوا إلىّ فأخبروني أن عبدالله بن عکيم أخبرهم الحديث ففي هذا أنه سمع من الداخلين وفيما قبله أنه سمع من ابن عکيم وفي متنه في رواية قبل موته بشهر وفي أخري بأربعين يوما وفي أخري بثلثة أيام على أنه قد اختلف في صحبة ابن عکيم وعلى تقدير التسليم فأهاب اسم لما لم يدبغ وما رواه الطبراني في الأوسط من لفظ هذا الحديث کنت رخصت لکم في جلود الميتة فلا تنتفعو من الميتة بجلد ولاعصب في سنده فضالة بن مفضل مضعف وإذا طهر الأهاب بالدبغ (جازت الصلوة) معه ملبوسا أو مفروشا أو محمولا (إلا جلد الخنزير) لنجاسة عينه) والآدمي)للکرامة وذکر في الشرح) کذا في أکثر النسخ المراد به شرح الاسبيجابي وفي بعضها وفي شرح الاسبيجابي مصرحا به (کل حيوان إذا ذبح بالتسمية طهر جلده ولحمه وشحمه وجميع أجزائه سوي الخنزير سواء کان مأکول اللحم أو غير مأکول اللحم) وقد تقدم الکلام في هذا مستوفي في أول الفصل (وجلد الآدمي إذا وقع منه مقدار ظفر في الماء يفسد الماء لأنه نجس وفي الخاقانية کل ما کان سؤره نجسا لا يطهر لحمه وجلده بالذکوة) وقد قدمنا أنه مذهب بعض المشائخ وأن الأصح طهارة جلده دون لحمه (وعن محمد جلد الکلبب و الذئب يطهر) بالذبح(وعصب الميتة وعظمها وقرنها وريشها وشعرها وصوفها وظلفها) وکذا حافرها ومخلبها وکل ما لا تحله الحياة منها (طاهر إذا لم يکن عليها دسومه) لما تقدم من حديث شاة مولاة ميمونة من قوله عليه السلام إنما حرم أکلها وأخرج الدار قطني عن عبيدالله ابن عبدالله بن عباس إنما حرم رسول الله من الميتة لحما فأما الجلد والشعر والصوف فلا بأس به وأعله بتضعيف عبدالجبار بن مسلم وهو ممنوع فقد ذکره ابن حبان في الثقات فلا ينزل حديثه عن الحسن ثم أخرجه عن حديث أبي بکر الهذلي عن عبيدالله بن عبدالله بن عباس قال سمعت رسول الله قال قل لا أجد فيما أوحي إلىّ محرما على طاعم يطعمه الأکل شيء من الميتة حلال إلا ما أکل منها فأما الجلد والقرون والشعر والصوف والسن والعظم فکله حلال لأنه لا يذکي وأعله بأن أبابکر هذ امتروک وأخرج أيضا عن أم سلمة زوج النبي لا بأس بمسک الميتة إذا دبغ ولا بأس بصوفها و شعرها وقرونها إذا غسل وضعفه بأن يوسف بن أبي السفر بفتح السين المهملة وسکون الفاء متروک وأخرج البيهقي عن بقية عن عمرو بن خالد عن قتادة عن أنس رضي الله عنه أنه عليه الصلوة والسلام کان يمتشط بمشط من عاج يلتفت إلى قول الأصمعي أن العاج هو الدبل بل هو عظم الفيل على ما في الصحاح وغيره فهذه عدة أحاديث لو کانت ضعيفة حسن المتن فکيف ومنها ما لا ينزل عن الحسن وله الشاهد من الصحيحين حديث شاة مولاة ميمونة فهى مؤيدة لقولهم إن ما لا تحله الحياة لاينجسه بالموت وهذه الأشياء لا تحلها الحياة لأنها لا تتألم بالقطع إلا بطريق المجاورة والنمو لا يدل على الحيوة الحقيقة کنمو البنات والمراد بإحياء العظام في النص ردها إلى ما کانت غضة رطبة في بدن حي حساس أو إحياء اسحائها (وأما جلد الفيل فيطهر بالدباغة) کسائر السباع (وعظمه طاهر يجوز بيعه) والانتفاع به (إلا عند محمد) رحمه الله فإنه يقول الفيل نجس العين کالخنزير فلا يجوز الانتفاع منه بشيء و يرده حديث البيهقي المذکور آنفا (وروي عن محمد امرأة صلت وفي عنقها قلادة عليها سنن أسد أو ثعلب أو کلب جازت صلوتها) لما تقدم من طهارة العظم والعصب وکون الرواية عن محمد لا ينافي کونها اتفاقية ففي  الفتاوی  ذکرها مطلقا والدليل يدل عليه وفي بعض النسخ (بخلاف الآدمي والخنزير) أما الخنزير فظاهر وأما الآدمي فإن کان سن نفسه تجوز صلوته معه وإن زاد على الدرهم لا تجوز بالاتفاق لکن هذا کله على القول بنجاسة السن على تقدير أنه طرف عصب وفي نجاسة العصب روايتان قاله في الکفاية قال فيها وعلى ظاهر المذهب وهو الصحيح لا خلاف في السن بين علمائنا أنه طاهر والخلاف بين أبي يوسف رحمه الله و محمد رحمه الله على الرواية التي جاء ت إن عظم الإنسان نجس انتهي. ومثله في الکافي قال فيه يتصور الخلاف وهذا الخلاف على الرواية التي جاء ت إن عظم الإنسان نجس وفي فتاوي قاضيخان إن عظم الإنسان إذا وقع في الماء لا يفسده لأنه طاهر بجميع أجزائه انتهى إلا أنه قوله بجميع أجزائه يغافي قوله قبل ذلک، جلد الآدمي أو لحمه إذا وقع في الماء إن کان قدر الظفر يفسده وإن کان دونه لا يفسده فيجب أن يحمل على أن المراد جميع أجزائه التي لا تحلها الحيوة (وذکر الشيخ الامام) الأسباني بکسر الهمزة واسکان السين المهملة بعد ها باء موحدة مفتوحة فألف فنون ساکنة ثم کاف مفتوحة بعدها مثناة فوقانية ثم ياء النسبة إلى أسبانکته قرية من قري اسبيجاب (في شرح السنجاب) أى فروه (إذا خرج من دار الحرب وعلم أنه مدبوغ بودک الميتة لا تجوز الصلوة به ما لم يغسل) لأنه طاهر بالدباغة وتنجس بودک الميتة فيطهر بالغسل ثلثا والعصر کسائر الأشياء المتنجسة (وإن علم أنه مدبوغ بشيء طاهر جازت الصلوة به وإن لم يغسل وإن شک) أنه مدبوغ بشيء نجس أو شيء طاهر (فالأفضل أن يغسل ليزول) الشک باليقين ولو لم يغسل جاز بناء على أن الأصل الطهارة (والدباغة) وهى ما يمنع النتن والفساد عن الجلد (على ضربين حقيقية وحکمية فالحقيقية أن يدبغ بشيء طاهر) من الأدوية المعدة للدبغ (کالعفص واسنجة) والشب والملح والقرظ ونحوها (وأما الحکمية فأن يخرج) الجلد (عن حکم الفساد) ويزول النتن عنه من غير استعمال شيء من الأدوية بل إما أن يخرج عن حکم الفساد (بالترتيب) أى بإلقاء التراب عليه أو القائه في التراب فيمص رطوباته (أو بالتشميس) أى بإلقائه في الشمس (أو بإلقائه في الريح) فيزيلان رطوباته فهذه الدباغة معتبرة أيضا عندنا خلافا للشافعي رحمه الله لأن المقصود من الدباغة إزالة الرطوبات ومنع الفساد وقد حصل بالشمس أو الريح أو التراب فيطهر (ولکن لو أصابه بعد الدباغة الحکمية ماء فعن أبي حنيفة رحمه الله) في عوده هذه الرطوبة ليست تلک التي کانت بقية الفضلات النجسة لأن تلک تلاشت وصارت هواء وذهبت معه بل رطوبة تجددت من ماء طاهر وسرت في أجزاء حکم بطهارتها وملاقات الطاهر الطاهر لا توجب تنجيسه (وکذا حکم الثوب إذا أصابه مني ففرک) ثم أصابه الماء في رواية يعود نجسا وفي رواية يابسا بالنص على خلاف القياس فإذا أصابه الماء زال مورد النص وهو حال اليبس بخلاف الجلد والأرض والبئر فإن الحکم بطهارتها مطلق وموافق للقياس لزوال أثر النجاسة وفي رواية لا والمختار الثاني لما قلنا وکذا قال قاضيخان الصحيح أنها لا تعود نجسة (وکذا البير إذا تنجست فغارت ثم عاد ماؤها) في رواية تعود نجسة وفي رواية ولا وذکر في (فتاوي قاضيخان إن الأظهر في البئر أن يعود نجسا) المذکور فيها في فصل البير الصحيح أنه طاهر ويکون ذلک بمنزلة النزح (وذکر في المحيط الأظهر أن لا يعود نجسا) لأن الزائل لا يعود بلا سبب جديد والماء العائد غير معلوم أنه عين الأول بل الغالب أنه غير فلا يکون نجساً.

فصل في البئر

ذکره لأدني مناسبة و هى ذکر المسئلة المتقدمة عليه و مسائل من جملة بيان النجاسة الحقيقية (إذا وقع في البئر نجاسة نزحت) أى البئر والمراد ماؤها فإن النزح للماء لکن توسعوا بأسناده إلى البئر مثل جري النهر (وکان نذح ما فيها من الماء طهارة لها) اعلم أن مسائل الأبار مبنية على اتباع الۤثار إذا القياس فيها أمّا ما قاله بشر المريسي من الطم بالکلية لأنه وإن نزح ما فيها يبقي الطين والحجارة نجسا فيتنجس الماء الجديد وأمّا ما نقل عن محمد رحمه الله أنه قال اجتمع رأيي و رأى أبي يوسف أن مآء البئر في حکم الماء الجاري لأنه ينبع من أسفله ويؤخذ من أعلاه فهو کحوض الحمام يصب من جانب و يؤخذ من جانب فلا يتنجس ثم قلنا و ما علينا لو أمرنا بنزع بعض الدلاء ولا نخالف السلف وعند مالک رحمه الله و أحمد رحمه الله لا يتنجس بناء على ما تقدم إن عند مالک لا ينجس القليل ما لم يتغير وعند الشافعي رحمه الله روي عن ابن عباس وابن الزبير من الأمر بنزح بئر زمزم حين وقع فيها الزنجي على ما يأتي قريب إن شاء الله تعالى(وإن وقعت فيها فارة أو عصفورة أو) ما هو (نحوهما) في المقدار (ينزح منها عشرون دلوا إلى ثلثين) لما روي عن أنس أنه قال في فارة ماتت في البئر فأخرجت من ساعتها ينزح منها عشرون دلوا والعصفورة ونحوها ملحقة بها دلالة لا قياسا فلا نقض لما ذکروا أن لا مدخل للقياس في التقديرات ثم العشرون بطريق الإيجاب لورود الآثار بها والزائد إلى الثلثين بطريق الاستحباب لاحتمال زياده الدلو المذکور في الاثر على ما قدر من الوسط فإنه المعتبر وهو ما يسع صاعاً من الحب المعتدل (وإن ماتت فيها حمامة أو دجاجة أو سنور) السنور بالکسر وفتح النون أو ما قاربها في الجثة (نزح منها أربعون دلوا أو خمسون) هکذا ف الجامع الصغير قال في الهداية وهو الأظهر يعني أظهر من قول القدوري (إلى ستين) لحديث أبي سعيد الخدري أنه قال في الدجاجة إذا ماتت في البئر ينزح منها أربعون دلوا وهذا لبيان الإيجاب والخمسون بطريق الاستحباب انتهي. قال الشيخ کمال الدين بن الهمام ما ذکره عن أنس رضي الله عنه والخدري رضي الله عنه ذکره مشائخنا غير أن قصور نظرنا أخفاه عنا قال وقال الشيخ علاء الدين أن الطحاوي رواهما فيمکن کونه رواهما في غير شرح الآثار وأنما أخرج في شرح الآثار بسنده عن علي رضي الله عنه قال في بئر وقعت فيه فارة فماتت ينزح ماؤها وبسنده إليه أيضا إذا سقطت الفارة أو الدابة في البئر فأنزحها حتي يغلبک الماء وبسنده إلى إبراهيم النخعي رحمه الله في البئر يقع فيها الجراد أو السنور فيموت قال تدلوا أربعين دلوا وبسنده في فارة وقعت في بئر ينزح منها قدر أربعين دلوا و بسنده عن حماد بن أبي سليمان قال في دجاجة وقعت في البئر قال ينزح قدر أربعين أو خمسين ثم يتوضأ منها وبسنده عن عبدالله بن سبرة عن الشعبي قال سألناه عن الدجاجة في البئر تموت قال ينزح منها سبعون دلوا و بسنده في الطير والسنور ونحوها يقع في البئر قال ينزح مها أربعون دلوا و سنده صحيح انتهي. (وإن ماتت فيها شاة أو کلب أو آدمي نزح جميع الماء) لما روي الدار قطني عن ابن سيرين أن زنجيا وقع في زمم يعني مات فأمر به ابن عباس فأخرج و أمر بها أن تنزح قال فغلبتهم عين جاء ت من الرکن قال فأمر بها فدست بالقباطي والمطارف حتي نزحوها فلمّا نزحوها انفجرت عليهم وهو مرسل فإن ابن سيرين لم ير ابن عباس ورواه ابن أبي شيبة عن هشيم عن منصور عن عطاء وهو سند صحيح وروي الطحاوي عن صالح بن عبدالرحمن ثنا سعيد بن منصور ثنا هشيم ثنا منصور عن عطاء أن حبشيا وقع في زمزم فمات فأمر عبدالله بن زبير رضي الله عنه فنزح ماؤها فجعل الماء لا ينقطع فنظر فإذا عين تجري من قبل الحجر الأسود فقال ابن الزبير حسبکم وهذا أيضا صحيح باعتراف الشيخ تقي الدين بن دقيق العيد به في الإمام وما نقل عن ابن عيينة أنا بمکة منذ سبعين سنة لم أر صغيرا ولا کبيرا يعرف حديث الزنجي الذي قالوا أنه وقع في زمزم و قول الشافعي رحمه الله لا يعرف هذا عن ابن عباس وکيف يروي ابن عباس عن النبي والماء لا ينجسه شيء ويترکه وإن کان قد فعل فلنجاسته ظهرت على وجه الماء أو للتنظيف مدفوع بأن عدم علمها لا يصلح دليلا فلما ترکته فيما دون القلتين لدليل آخر لا نستعبد مثله ابن عباس ثم الظاهر من السوق واللفظ لقائل مات فأمر بنزحها أن سبب النزح الموت لا شيء آخر کما في سها عليه السلام فسجد وزني ما عز فرجم ثم إن بينها وبين ذلک الحديث قريبا من مائة و خمسين سنة فکان أخبار من أدرک الواقعة وأثبتها بالطريق الصحيح أولي من عدم علمهما وقوله النووي کيف يصل هذا الخبر إلى أهل الکوفة ويجهله أهل مکة استبعاد بعد وضوح الطريق ومعارض بقول الشافعي رحمه الله لاحمد رحمه الله انتم أعلم بالأخبار الصحيحة منا فإذا کان خبر صحيح فأعلموني حتي أذهب إليه کوفيا کان أو بصريا أو شاميا فهلا قال کيف يصل هذا إلى أولئک ويجهله أهل الحرمين على أن الأخبار المختص بروايتها الشاميون والعراقيون دون الحجازيين أکثر من أن تحصي وهو غير جاهل بها لکن للتعصب وهلة وذهول وذلک لأن الصحابة انتشرت في البلاد خصوصا العراق قال العجلي في تاريخه نزل الکوفة الف وخمسمائة من الصحابة ونزل قرقرسيدا ستمائة (وکذا) ينزح جميع الماء (إن استخرج) الکلب (والخنزير حيا) أى ولو لم) يصب فمه الماء) أما الخنزير فظاهر لنجاسة عينه وأما الکلب ففرقه عن سائر ما يکون سؤره نجسا مبني على کونه أيضا نجس العين قال قاضيخان في تعليله هذه المسئلة المذکورة أمّا الخنزير فلأن عنه نجس والکلب کذالک وبني عليه في فتاوي جملة من مسائل فإنه قال الکلب إذا خرج من الماء وانتقض فأصاب ثوب انسان أفسده وکذا قال إذا مشي في طين أو ردغة يتنجس الطين والردغة وإذا مشي على ثلج فوضع إنسان رجله على ذلک الموضع إن کان رطبا بحيث لو وضع عليه شيء يبتل يصير الثلج نجسا فما يصيبه يکون نجسا ونحوها من المسائل واختلف روايات المبسوط ففي باب الحدث الانتفاع به مباح في حال الاختيار فلو کان نفسه نجسا لما أبيح الانتفاع منه في تعليل بيع الکلب وبهدا تبين أنه ليس بنجس العين وفي مسبوط شيخ الإسلام وأما جلد الکلب فعن أصحابنا فيه روايتان في رواية يطهر بالدباغ وفي رواية لا يطهر وهو الظاهر من المذهب وفي المحيط الکلب إذا وقع في الماء فأخرج حيّا إن أصاب فمه الماء ويجب نزح جميع الماء وإن لم يصب فمه الماء فعلى قولهما يجب نزح جميع الماء وعن أبي حنيفة رحمه الله لا بأس به وقال وهذا اشارة إلى أن عين الکلب ليس بنجس وقال في الهداية والکلب ليس بنجس العين إلا يري أنه ينتفع به حراسة واصطياداً بخلاف الخنزير وفي القنية اختلف في نجاسة الکلب والذي صح عندي من الروايات في النوادر والامالي أنه نجس العين عندهما عن أبي حنيفة رحمه الله ليس بنجس العين انتهي. وهو موافق لما في المحيط هذا ما فيه من الرواية والذي تقتضيه الدراية عدم نجاسة سؤره لا يقتضي نجاسة عنه والله اعلم. (وکل حيوان) سوي الخنزير والکلب على ما ذکره) إذا أخرج حيا) من البئر بعد الوقوع (و)الحال أنه قد (أصاب) الماء (فمه فإنه) ينظر إن کان (سؤره طاهرا) ولم يعلم أن عليه النجاسة لا ينجس الماء (ولکن لا يتوضأ) منه (احتياطا) لاحتمال أنه کان عليه نجاسة أو أنه أحدث عند الوقوع) ومع هذا أن توضأ جاز) لأن الأصل عدم ذلک الأماکن غالبا کما قالوا في الفارة إذا هربت من الهرة فسقط في البئر نجستها لغلبة البول منها عند الخوف من الهرة (وإن کان سؤره نجسا ينزح کله) لتنجسه بسؤره ويفهم من قيد أصابة الماء فمه أنه إذا لم يصب فمه لا ينجس وإن کان سؤره نجسا و إن ثمه فرقا بين الخنزير والکلب وبين سائر السباع في ذلک والذي يج أن يتنجس على کل حال وصرح به قاضيخان فقال ووقع فيه کلب أو خنزير ومات أو لم يمت أصاب فمه الماء أو لم يصب أمّا الخنزير فلأن عينه نجس والکلب کذلک أو لأن ماواه في النجاسات وسائر السباع بمنزلة الکلب انتهى وأيضا مخارجها نجسة ولاتزول نجاستها بلحسها لأن سؤرها نجس واحتمال کونه دخل في ماء قبل ذلک بحيث انغسل مخرجه في غاية الندرة فلا يعتبر بخلاف ما سؤره مکروه کالهرة فإن نجاسة مخرجة تزول بلحسه فليعلم ذلک (وإن کان سؤره مکروها) يستحب أن (ينزح) منها (عشرة دلاء ونحوها کذا) في الخلاصة ذکر أنه يستحب وکأنه لما کان يجب بموتها المقتضي للنجاسة نزح عشرين فيما يقتضي الکراهة يشطر المقدار فيجعل عشرا و نحوها وفي الحکم فيجعل مستحبا فإن الندب بعض الوجب کما أن الکراهة بعض الحرمة التي هى موجب النجاسة وإنما فعل ذلک احتياط لجواز أن يکون القياس هذا الذي قلناه وإلا فلا مدخل للقياس في نصب المقادير ولافي إثبات الأحکام من الندب وغيره من غير تقدم أصل يقاس عليه فليتأمل (وإن کان سؤره مشکوکا ينزح کله أيضا) کما نزح کله فيما سؤره نجس لاشتراک المشکوک والنجس في عدم الطهورية وإن افترقا من حيث الطهارة فإذا لم ينزح ربما يتطهر به أحد والصلوة به وحده غير مجزية فنزح کله (کذا روي عن أبي يوسف رحمه الله) في  الفتاوی  ولم يذکر عن غيره خلافه (وإن انتفخ فيها الحيوان) الواقع (أو تفسخ ينزح) جميع (ما فيها) من الماء سواء (صغر) ذلک (الحيوان أو کبر) بعد أن يکون مما يفسد الماء وکذا لو وقع فيها ذنب الفارة أو نحوه لانتشار النجاسة في جميع الماء وعليه يحمل ما روي عن علي رضي الله عنه من الأمر ينزح الماء کله على ما قدمناه من رواية الطحاوي رحمه الله (وإن وجدوا فيها فأرة ميتة) والحال أنهم (لا يدرون أنها متي وقت ولم تنتفخ اعادوا صلوة يوم وليلة) إذا کانوا توضؤا منها منذ يوم وليلة فما زادوا لا فالذي صلوه بوضوء هم منها منذ يوم وليلة (وغسلوا کل شيء أصابه ماؤها) في الزمان المذکور وإن کانت انتفخت أو تفسخت أعادو صلوة ثلثة أيام ولياليها) أو ما أدوه بوضوء هم منها فيها وغسلوا کل ماأصابه ماؤها فيها (وهذا) کله (عند أبي حنيفة رحمه الله وقالا ليس عليهم إعادة شيئ) مما صلوه بالوضوء منها ولا غسل شيء مما أصابه ماؤها (حتي يتحققوا متي وقعت حملا) على أنها وقعت تلک الساعة فماتت أو کانت ميتة فوقعت بريح أو غيره وذلک لأن الحوادث تضاف إلى أقرب الأوقات عند الإمکان واليقين لا يزول بالشک والطهارة کانت متيقنة ووقع الشک في زوالها قبل الإطلاع وصار کمن رأى في ثوبه نجاسة لا يدري متي أصابته ولأبي حنيفة رحمه الله أن الأحکام تضاف إلى اسبابها الظاهرة والوقوع الظاهر کمن جرح إنسانا واستمرا ذا فراش حتي مات يضاف موته إلى الجرح وإن احتمل کونه بغيره أن الموت لا يکون عقيب الوقوع من غير تراخ في الغالب فلا بد من التقدير بمدة فقدرت عند عدم الانتفاخ بيوم وليلة لأن ما دون ذلک ساعات لا يمکن التقدير بها لتفاوتها وعند الانتفاخ بثلاثة أيام لأنه دليل تقادم العهد وما استوضحابه من مسئلة الثوب فقال المعلي هى على الخلاف أيضا فعنده إن کانت النجاسة يابسة يعيد ما صلي به منذ ثلثة أيام وليالها وإن کانت رطبة فمذ يوم وليلة فلا يصح الاستيضاح ولو سلم أنها اتفاقية فالفرق ظاهر إذ الثوب بمر أى منه کل ساعة فلو کان فيه نجاسة فيما مضي لرآها والبئر غائب عن بصره والموضع موضع احتياط لکن هذا إنما يتأتي في الرطبة أما اليابسة فينبغي أن يتحري وقت أصابتها عنده وکذا عندهما إذ لا يتأتي أن يقال أنها أصابته تلک الساعة بعد يبسها إلا أن يکون الزمان محتملا ليبسها بعد الأصابة (وإذا وقعت بعرة أو بعرتان في البئر من بعر الإبل أو الغنم لم يتنجس البئر) استحسانا والقياس أن يتنجس لوقوع النجاسة في الماء القليل وجه الاستحسان أن آبار الفلوات ليس لها رؤس حاجزة وتبعر المواشي حولها فتلقي الريح بعض ذلک فيها فجعل القليل عفوا للضرورة ولاضرورة في الکثير کذا في الهداية وفيه إشارة إلى أن حکم آبار الامصار خلاف ذلک قال شيخ الإسلام في المبسوط فأما إذا کان في المصار فاختلف مشائخنا فيه قال بعضهم يتنجس إذا وقع فيها بعرة أو بعرتان لأنها لا تخلو عن حائل وقال بعضهم لا لأن البعر شيء صلب على ظاهره رطوبة الأمعار فلا تتداخله النجاسة وقال الإمام التمرتاشي الأصح التسوية أى بين آبار الفلوات والبيوت (وإن وقفت) أى البعرة والبعرتان (في اللبن وقت الحلب فأخرجت حين وقعت) ولم يبق لها لون (لم يتنجس اللبن أيضا) أى کما لم يتنجس البئر وهو مروي عن علي رضي الله عنه للضرورة إذ من عادتها أن تبعر وقت الحلب والضرورة مقيدة بأن يرمي من ساعته ولم يبق لها لون ذکره شيخ الإسلام في المبسوط وإن وقع في غير وقت الحلب فهو بمنزلة وقوعه في سائر إلا وإن قيل يعفي فيه البعرة والبعرتان کالبئر والأصح أنه يتنجس لعدم الضرورة وإمکان الاحتراز (و) روي (عن أبي حنيفة رحمه الله البعرة إذا کانت يابسة لم تفسد المائ) أى ماء البئر (مالم يستکثره الناس لعموم البلوي) ففي هذه الرواية إشارة إلى أن حکم الرطبة ليس کذالک وبيان حد الکثير وهو ما يستکثره الناظر قال في الکافي هو الصحيح وفي فتاوي قاضيخان رحمه الله الفاحش ما يستکثره الناس واليسير ما يستقله وقيل إن کان لا يسلم کل دلو عن بعرة و بعرتين فهو فاحش وعن محمد رحمه الله إن أخذ ربع الماء فهو کثير انتهي. قال في الهداية وهو ما يستکثره الناظر في المروي عن أبي حنيفة رحمه الله وعليه الاعتماد انتهي. (وفي الرطبة والمنکسرة) اليابسة (اختلاف بين المشائخ بعضهم افتي) فيهما (بالتنجس) لشيوع النجاسة في الماء للرطوبة وللرخاوة في المنکسر بخلاف الصحيح اليابس (وبعضهم سو) أى بين الرطب والمنکسر والصحيح اختاره في الهداية وفي الکافي قالا لا فرق بين الرطب واليابس والصحيح والمنکسر والروث والخثي والبعر لأن الضرورة تشمل الکل انتهي. والأرواث بمنزلة المنکسرة لتخلخلها ورخاوتها وکذا الأخثاء (وأکثر المشائخ على أنه) لا تطلق التسوية في کل موضع بل (تعتبر فيه الضرورة العامة والبلوي إن کان فيه ضرورة) يتعذر الاحتراز عنه ووقوع الحرج في الحکم بالنجاسة کآبار الفلوات الغير المحفوظة الکثيرة الطارق والاستعمال (لا يحکم بالنجاسة) للضرورة وإن کان الاحتراز غير متعذر کآبار البيوت والأماکن المحفوظة القليلة الطارق والاستعمال فهى بمنزلة الإناء لا يعفي فيه القليل وهذا الذي ينبغي أن يعتمد عليه فإن الجميع يستدلون بالضرورة فينظر إلى ما هى فيه (والروث إذا کان صلبا فهو بمنزلة البعرة) في الحکم وتقدم أنه لا فرق (وإن وقع خرء الحمام أو العصفور) في البئر (لم يفسد) ماؤها لأنه طاهر) وهذا مذهبنا) خلافا للشافعي رحمه الله کما تقدم (وإن وقع خرء الدجاج أفسده) لأنه نجس وليس فيه ضرورة لإمکان الاحتراز (وکذا خرء البط والأوز) الأهلي بخلاف البري الطيار فإن فيه ضرورة لأنه يذرق من الهواء وکذا خرء (الخفاش وبوله لا يفسده) للضرورة وکذا (ذرق ما لا يؤکل لحمه من الطيور فإنه طاهر عندهما) في رواية (خلافا لمحمد رحمه الله) وهو يناقض قوله فيما تقدم وقال محمد رحمه الله کلاهما طاهر يعني بول ما يؤکل وخرء ما لا يؤکل من الطيور لکن الذي هنا هو الصحيح (وقال بعضهم روي عن أبي حنيفة رحمه الله وأبي يوسف رحمه الله أن ذرق سباع الطير نجس) نجاسة مخففة (لا يفسد الثوب إلا ذا فحش ويفسد الماء وإن قل کسائر النجاسات الخفيفة فإن حکمها يخالف الغليظة في الثياب دون الماء (ولا يفسد الماء الکثير) مالم يغيره کسائر النجاسات (ويفسد الأواني وإن قل) لإمکان صونها عنه) (ولايفسد الماء البئر) لتعذر صونها عنه (وإن بالت شاة أو بقرة) أو غيرهما مما يؤکل لحمهه (في البئر تنجس) لأن خفة النجاسة لا تطهر في الماء کما تقدم ويمکن صون البئر عن بول مثل هذه الحيوانات بخلاف الطيور لرميها بنجسها من الهواء إلا عند محمد رحمه الله فإنها لا تتنجس عنده لأن بول ما لا يؤکل لحمه طاهر عنده على ما مر (وإن قطرت دم أو خمر في البئر) ولو قطرة واحدة (ينزح ماء لابئر کله) لأن ماء البئر في حکم القليل ولو کان کثيرا مالم يکن عشراً في عشر وقد تقدم أن القليل يتنجس بوقوع النجاسة وإن لم يظهر أثرها فيه (وفي الذخيرة جنب نزح) من البئر (دلواً) فصب على رأسه (ثم استقي) دلوا آخر فتقاطر من جسده في البئر لا يتنجس) البئر أى على تقدير نجاسة الماء المستعمل أيضا (للضرورة) لأن التحرز عن مثله متعذر متعسر (وإن وقع جنب) محدث في البئر (أو دخل فيها لطلب الدلو) يعني ولم ينو الغسل أو الوضوء (قال أبو حنيفة رحمه الله في رواية (الرجل جنب والماء نجس) قالوا لأنه بأول ملاقاة الماء صار مستعملا والمستعمل نجس فلا قي بقية الأعضاء وهو نجس فلم يزل عنها الحدث فيبقي على جنابة (وقال في رواية) أخري (يخرج من الجنابة إذا تمضمض واستنشق ثم) أنه (يتنجس) بنجاسة الماء المستعمل (فعلى هذه الرواية) الثانية (يجوز له أن يقرأ القرآن لخروجه عن الجنابة) قال في الهداية وعنه أن الرجل طاهر لأن الماء لا يعطي له حکم الاستعمال قبل الانفصال للضروة وهو أوفق الروايات عنه انتهى وهو الأصح (وقال أبو يوسف رحمه الله الرجل جنب والماء طاهر) وهو مبني على أن أبا يوسف رحمه الله يشترط الصب أو ما يقوم مقامه في طهارة العضو فما لم يوجد الصب أو ما يقوم مقامه من الجريان لا يجوز الوضوء ولاالغسل عنده فلم يخرج من الجنابة بدخوله في الماء الراکد فلم يصر الماء مستعملا لعدم ازالة الحدث وعدم القربة وفي الخلاصة أن قول أبي حنيفة رحمه الله کقول أبي يوسف رحمه الله أيضا ولم يذکره في غير الخلاصة وهو مشکل على أصله لأنه لا يشترط الصب (وقال محمد رحمه الله کلاهما طاهر) الرجل لخروجه من الحدث إذ الصب والنية ليسا بشرط في ذلک والماء لأنه لا يصير مستعملا عنده إلا بإقامة القربة وهو بالنية والفرض أن لا نية (هذا) کله (إذا لم يکن على بدنه أو ثوبه) عند الوقوع والدخول نجاسة حقيقية (وإن کانت) على بدنه أو ثوبه نجاسة حقيقية أو کان مستجنبا بنحو حجر دون ماء (تنجس الماء بالإجماع) لما تقدم ولو وقعت في الحائض إن کان بعد انقطاع الحيض فهى کالجنب وإن کان قبل الانقطاع فکالطاهر وتقدم حکمه في بحث الماء المستعمل (ولو وقعت) في البئر أکثر (من فارة) فقد روي (عن أبي يوسف رحمه الله أنه قال إلى أربع تلزم عشرون دلوا أو ثلثون) فحکم الأربع کحکم الواحدة (وإن کانت) الفارات الواقعة (خمسا) ينزح أربعون دلوا (أو خمسون إلى تسع) فحکم الزائد على الأربع إلى التسع کحکم الدجاجة (فإذا کانت) الفيران (عشرا ينزح مائ) البئر کله بمنزلة الشاة وعن محمد رحمه الله الفارتان إذا کانتا کهيئة الدجاجة ينزح أربعون وفي الهرتين ينزح کل الماء کذا في التنجيس وهذا أقيس من قول أبي يوسف رحمه الله فإنهم مجمعون أن الأربعين في الدجاجة وما قاربها والظاهر أن أبا يوسف رحمه الله إنما اعتبر ذلک أيضا وطرده الصغار التي تکون الخمس منها قدر الدجاجة أو نحوها فلا خلاف حينئذ في الحقيقة (وإن کانت البئر معينا لا يمکن نزحها) إلا بعسر وحرج عظيم (أخرجوا مقدار ما کان فيها من الماء) وقت ابتداء النزح (ثم) أن المشائخ (اختلفوا کيف يقدر) ما کان فيها إذ ذاک (قال بعضهم تحفر حفيرة مثل عمق الماء) وطوله (وعرضه) وتجصص (فينزح) الماء (حتي تملأ الحفيرة) وقال بعضهم يرسل فيها قصبة ويجعل لمبلغ الماء علامة ثم ينزح منها عشر دلاء مثلا ثم تعاد القصبة فينظر کم نقص فينزح لکل قدر منها عشر دلاء وهذ أن القولان مرويان عن أبي يوسف رحمه الله وعن أبي حنيفة رحمه الله ينزح حتي يغلبهم الماء (وقال بعضهم) وهو رواية عن أبي حنيفة رحمه الله أيضا (يحکم ذوا عدل) من أهل البصارة بالمائ(فينزح) منها (بحکمهما) فإن قالا أن ما فيها ذلک الوقت ألف دلو مثلا نزح ذلک قال صاحب الهداية وهذ أى الأخذ بقول العدلين أشبه بالفقه قال في الکافي أنه الأصح إذا الرجوع إلى أهل البصيرة أصل في کثير من الصور کما في الحکمين والشاهدين وتقويم المتلف قال الله تعاليٰ ''فاسئلوا أهل الذکر إن کنتم لا تعلمون'' وقولنا يعتبر ما کان فيها وقت ابتداء النزح ذکره ف الکافي أيضا وفي فتاوي قاضيخان بئر تنجس ماؤه فأرادوا نزح الماء بعد زمان اختلفوا فيه منهم من قال يعتبر الماء عند وقوع النجاسة حتي لو نزحوا ذلک القدر وبقي مقدار ذراع أو ذراعين يصير الماء طاهرا وطهورا وثمرة ذلک تظهر في الرجل إذا ّخذ في النزح فعي فجاء من الغد فوجد الماء أکثر مما ترک منهم من قال ينزح کل الماء ومنهم من قال تنزح مقدار الماء الذي بقي عند الترک وصحيح انتهي. وهذه الثمرة أنما هى بناء على أن المعتبر مقدار الماء وقت ابتداء النزح أولا لا على أن المعتبر مقداره وقت وقوع النجاسة أو لا ثم قد علم منها أن الصحيح ما قاله في الکافي أن المعتبر وقت ابتداء النزح وروي (عن محمد رحمه الله أنه قال ينزح منها مائتا دلو إلى ثلثمائة دلو) و إنما أجاب بذلک بناء على کثرة الماء في آبار بغداد کذا في المبسوط والمروي عن أبي حنيفة رحمه الله أنه إذا نزح منها مائة دلو يکفي وهو بناء على آبار الکوفة لقلة المآء فيها کذا في الکفاية فعلى هذا لا ينبغي الفتوي بالمئتين ونحوها مطلقا بل ينظر إلى غالب آبار البلد وهو الأيسر على الناس ولأول وهو اعتبار مقدار الماء في کل بئر عليحدة أهوط (وإذا نزح بوقوع الفارة عشرون) دلوا (أو ثلثون طهر الدلو والرشائ) بالکسر والمد وهو الحبل وکذا تطهر البکرة ونواحيها ويد المستقي تبعا لطهارة البئر وکذا في کل موضع نزح مقدار ما وجب روي ذلک عن أبي يوسف رحمه الله وفي وجوب نزح الکل إذا وصل إلى حد لا يملأ نصف الدلو کان نزحاً للکل ويحکم بطهارة البئر وتوابعها ذکره البزازي وقد تقدم آنفا عن فتاوي قاضيخان أنه إذا بقي مقدار ذراع أو ذراعين يصير الماء طاهر أو طهور أو هو أوسع وهذا أحوط وذکر البزازي أيضا أنهم لو نزحوا بدلو منخرق فإن کان يخرج فيه أکثر من نصفه فهو بمنزلة الصحيح (وموت ما ليس له دم سائل لا ينجس الماء ولا غيره) إذا وقع فيه فمات أو مات ثم وقع فيه وذلک (کالبق) البعوض (والذباب والزنابير) بجميع أنواعها (والعقارب) والخنافس والعلق وما شابه ذلک من الفراش وصغار الحشرات وقال الشافعي رحمه الله ينجسه لأن التحريم لا بطريق الکرامة آية النجاسة ولنا قوله لسلمان رضي الله عنه يا سلمان کل طعام و شراب وقعت فيه دابة ليس لها دم فماتت فيه فهو حلال أکله وشربه ووضوئه رواه دار قطني لکن قال يرفعه إلا بقية عن سعيد بن أبي سعيد الزبيدي وهو ضعيف انتهي. واعله ابن عدي ايض بجهالة سعيد وفعا بأن بقية هذا هو ابن الوليد روي عنه الائمة کالحمادين وابن المبارک ويزيد بن هارون وابن عيينة ووکيع والأوزاعي وإسحاق بن راهويه وشعبة وناهيک بشعبة واحتياطه وقد أخرج له الجماعة إلا البخاري وأما سعيد بن أبي سعيد فذکر الخطيب وقال اسم ابيه عبدالجبار وکان ثقة فانتفت الجهالة ولم ينزل الحديث عن درجة الحسن والحرمة لا تستلزم کالتراب (وکذا موت ما يعيش في الماء إذا مات في الماء) أو وقع ميتا فيه لا ينجسه وذلک (کالسمک والضفدع) أى البحري(والسرطان) والحية المائية (وإن مات في غير الماء) من الأطمعة والأشربة) ففيه تفصيل أما السمک فإنه لا ينجسه بلا خلاف) للنص وهو قوله أحلت لنا ميتتان ودمان الحديث فإنه يقتضي طهارة السمک الميت ووقو الطاهر لا يؤثر في الطهارة (وأما الضفدع إذا مات في العصير) ونحوه مما عد الماء (فقد اختلف المتاخرون) في کونه يفسده أو لا قال المصنف رحمه الله (وأکثرهم على أنه ينجس) قال في الهداية لانعدام المعدن قال في الکافي أنه تعليل بالعدم وهو غير صحيح وتاويله أن الموجب للتنجس وهو الدم موجود إذ اللون لون الدم والرائحة رائحتها والمانع وهو المعدن مفقود وأنما لم يفسد الماء لأن المانع موجود فلم يعمل الموجب انتهى ثم قال في الهداية وفي الکافي وقيل لا يفسده وهو الأصح أى لا يفسده ماعد السمک مما يعيش في الماء غير الماء أيضا إذا مات في الأصح لأنه الدموي لا يعيش في الماء والذي يظن أنه دم فيه ليس بدم حقيقة لأنه إذا شمس يبيض والدم الحقيقي إذا شمس يسود قال في الهداية والضفدع البحري والبري سواء وقيل البري يفسد لوجود الدم و عدم المعدن قال فيها وما يعيش في الماء ما يکون توالده ومثواه في الماء ومائي المعاش دون مائي المولد مفسد يعني کطير الماء ففي الجامع الصغير للقاضي الإمام طري الماء إذا مات في الماء يفسده في الصحيح من الرواية عن أبي حنيفة رحمه الله ولو مات في غير الماء يفسد باتفاق الروايات وبه يفتي کذا في الخلاصة وذکر فيها طير الماء إذا وقع في الماء القليل فعن أبي حنيفة رحمه الله روايتان وعن محمد رحمه الله أنه لا ينجس وعن أبي يوسف أنه ينجس انتهي.
فعلم أن الصحيح من روايتي أبي حنيفة رحمه الله کقول أبي يوسف رحمه الله والأخري کقول محمد رحمه الله والفرق بينه وبين الضفدع ونحوه مما يعيش خارج الماء أيضا أن الطير لا يعيش داخل الماء فهو دموي بخلاف الضفدع ونحوه (وذکر الإسبيجابي في شرحه ما يعيش في المائ) مما لايؤکل (لحمه إذا مات في الماء وتفتت فإنه يکره شرب المائ) وهو مروي عن محمد رحمه الله لاختلاط الأجزاء المحرم أکلها بالماء فربما ابتعلت بشربه مع أنها حرام وما يحتمل فيه تناول الحرام يکره تناوله ويجب التحرز عنه لأنه رعي حول الحمي (أما الحيّة البرية) التي لا تعيش في الماء إذا ماتت في الماء) فإنها (تفسده) وهذا على القول بأن الفضدع البري يفسد والظاهر أنه مختار صاحب الهداية حيث اخره وآخر دليله وما اخر دليله فهو المختار عنده وقال هو في التنجنيس لو کان للضفدع دم سائل يفسد أيضا ومثله لو ماتت حية برية لا دم فيها في إناء لا ينجس وإن کان فيها دم ينجس انتهي.
وقوله المصنف رحمه الله (وکذا الحية إذا کانت کبيرة لها دم سائل) مبني على غير الأصح الذي ذکره في الهداية وأما على الأصح فلا ينجس لأن الدموي لا يعيش داخل الماء والدم الذي فيها غير حقيقي على ما مر وقوله (وکذا الوزغة إذا کانت کبيرة) أى بحيث يکون لها دم فإنها تفسد الماء لما تقدم في لضفدع البري والحية البرية ثم الضفدع المائي هو الذي يکون بين أصابعه سترة والبري بخلاف کذا في  الفتاوی  الظهيرية والذي يحصل أن الأصح إن ما يعيش بالسکني في الماء لا يفسد موته الماء ولا غيره ولو کان فيه دم لأن ذلک ليس بدم حقيقة وإن ما لا يعيش فيه إن کا فيه دن يفسد وإلا فعلا وعرف في الخلاصة المائي بما لو استخرج من الماء يموت من ساعته وإن کان يعيش فهو مائي وبري فجعل بين المائي والبري قسما آخر وهو ما يکون مائيا وبريا لکن لم يذکر له حکما على حدة والصحيح أنه محلق بالمائي لعدم الدموية على ما علم والله سبحانه أعلم.

فصل في الآسار

هى جمع سؤر بالهمزة وهو مطلق من الشيء لغة وبقية الشراب الذي يبقيه الشارب عرفا وقد يطلق على بقية الطعام في العرف أيضا وأنواع الآسار خمسة متفق على طهارته ومتفق على نجاسة ومکروه ومشکوک مختلف فيه (سؤر الآدمي طاهر) بالاتفاق (سواء کان مسلما أو کافرا أو جنبا) أو حائضا أو محدثا (أو طاهر) من جميع الأحداث لأن السؤر يأخذ حکم اللعاب لاختلاط به ولعاب الإنسان ظاهرة لتولده من لحم طاهر إذ حرمته لکرامته لا لنجاسته وقوله تعالى إنما المشرکون نجس المراد بهم ذوو نجاسة معنوية وه والشرک لو أنهم ملتبسون بالنجاسة لعدم تطهرم من الجناية ونحوها فجعلهم کأنهم عين النجاسة مبالغة في تبسهم بها ولبس المراد حقيقة نجاسة ذواتهم بالإجماع حتي لو حمل کافرا غير ملوث بنجاسة وصلي به جازت صلوته کما لو حمل جنبا أو حائضا أما لو تلوث فمه بنجاسة من خمر أو ميتة أو غيرهما فشرب الماء ونحوه من فوره فإن سؤره يتنجس أما لو شرب بعد ترداد الريق في فمه وذهاب الأثر فلا يتنجس سؤره عند أبي حنيفة وأبي يوسف خلافا لمحمد رحمه الله بناء على زوال النجاسة الحقيقية بغير الماء (و) کذا سؤر ما يوکل لحمه) من الحيوان (طاهر) بالاتفاق (کالإبل والبقر والغنم) لتولد اللعاب من لحمد طاهر (وأما سؤر الفرس فعن أبي حنيفة رحمه الله فيه أربع روايات) ذکرها في المحيط إلا أن ماقال المصنف رحمه الله أنه(في رواية نجس) ليس منها ولم أره لغير المصنف رحمه الله بل في المحيط على ما ذکره في الکفاية في رواية قال أحب إلى أن يتوضأ بغير وهى رواية الثلجي عنه (وفي رواية) هو کسؤر الحمار (مشکوک وفي رواية) وهى رواية الحسن عنه أنه کلحمه (مکروه) وتحمل هذرواة رواية على کراهة التحريم کما صححه صاحب الهداية في لحمه ورواية الثلجي على کراهة التنزيه کما صححه البعض في لحمه (وفي رواية) وهى رواية کتاب الصلوة أنه (طاهر) بلا کراهة وهو الصحيح من مذبهه لأن کراهة لحمه لکرامته و شرف بکون آلة الجهاد وکبت أعداء الله لا لکراهة فيه فيکون لعابه متولدا من لحم طاهر کلعاب الآدمي فکذا سؤره (وأما عندهما) فهو (طاهر بلا شک) رواية واحدة لأنه مأکول اللحم عندهما (وبهه) أى بکونه طاهرا (أخذ بعض المشائخ) بل کل المتأخرين لما تقدم (وسؤر الکلب والخنزير) وسائر سباع البهائم نجس باتفاق علمائنا خلافا لمالک في الکل وللشافعي رحمه الله وأحمد رحمه الله فيما عدا الکلب والخنزير وأما نجاسة سؤر الکلب فللأحاديث الصحيحة في الأمر بغل الإناء بعد أراقة ما فيه لولوغه وأما سؤر الخنزير فلنجاسة عينه على ما تقدم فلعابه متولد من لحم نجس فينجس ما خالطه وأما سائر سباع البهائم فلنجاسة لحمها أيضا على ما هو الصحيح ومن الوجوه الالزامية على الشافعية حديث القلتين حيث سئل عليه الصلوة والسلام عن ماء يکون في الفلاة ترده السباع والدواب فقال إذا کان الماء قلتين لم يحمل الخث فإن الجواب لا بد أن يطابق السؤال أو يزيد عليه فيندرج فيه السؤال عنه وغيره وقد قالا بمفهوم شرطه فنجسا ما دون القلتين وإن لم يتغير وحقيقة مفهوم شرطه أنه إذا لم يبلغهما يتنجس من ورود السباع وما رواه جابر من أنه عليه السلام سئل أنتوضأ بما فضلة الحمر قال نعم وبماء فضلة السباع کلها أخرجه الدار قطني وکذا حديث أنه عليه السلام سئل عن الحياض التي تکون بين مکة والمدينة فقيل أن الکلاب والسباع ترد عليها فقال لها ما أخذت في بطونها وما بقي شراب وطهور أخرجه ابن ماجة فمحمول على الماء الکثير أو على ما قبل تحريم السباع على أن الأول فيه داؤد بن الحصين ضعفه ابن حبان والثاني معلول بعبدالرحمن بن زيد بن أسلم (وسؤر سباع الطير(کالصقر والبازي والشاهين ونحوها) وسؤر ما يسکن في البيوت) من الحشرات وغيرها مثل الحية والعقرب والوزغة والفارة والدجاجة المخلاة) أى المطلقة غير المحبوسة والهرة مکروه) أى يکره التوضوء به عند وجود غيره وکذا شربه کراهة تنزيه وهذا استحسان والقياس في غير الدجاجة المخلاة أن يکون نجسا لتولد اللعاب من لحم نجس وجه الاستحسان في سباع الطير أن لعابها لا تصيب ما تشربه لأنها تشرب بمنقارها وهو عظم طاهر والکراهة إنما هى لاحتمال کونها أصابت نجساة قبل ذلک وبقي أثرها إلى وقت الشرب کما في الدجاجة المخلاة فإن الکراهة لمجرد توهم إن منقارها متنجس عند الشرب ولذا لو کانت محبوسة بحيث لا يصل منقارها إلى ما تحت رجليها لا يکره سؤرها کذا حکي عن الإمام الحاکم عبدالرحمن أنه قال ليس المراد بکونها محبوسة أن تکون محبوسة في بيتها لأنها حينئذ لا يؤمن أن يکون على منقارها نجاسة من جولانها في عذرات نفسها بل المراد أن تجس للسمن في بيت يکون رأسها و علفها و ماؤها خارجة لا يمکنها أى تجول في عذرات نفسها وقال شيخ الإسلام رحمه الله في المبسوط أنها إن کانت محبوسة لا تجذرات غيرها حتي تجول فيها وهى لا تجول في عذرات نفسها فلا يکره سؤرها إذ ذاک انتهي. وعلى هذا سائر سباع الطير أيضا إذا علم أنه لم يکن على منقارها نجاسة ينبغي أن لا يکره التوضوء بسؤرها ووجه الاستحسان في سواکن البيوت حديث کبشة بنت کعب ن مالک وکانت تحت أبي قتادة رضي الله عنه أن أبا قتادة رضي الله عنه دخل عليها فسکبت له وضوء فجاء ت هرة تشرب منه فأصغي لها الإناء حتي شربت قالت کبشة فرآني أنظر إليه ليست نجسة أنها من الطوافين عليکم والطوافات رواه أصحاب السنن الأربعة وقال الترمذي حسن صحيح فقد علل عدم نجاستها بکونها من الطوافين فأفاد نفي النجاسة عن الطوافين والطوافات أجمع وأيضا يتعذر الاحتراز من هذه الأشياء فکان فيه ضرورة وعن أبي يوسف رحمه الله أن سؤر الهرة غير مکروه لحديث کبشة المتقدم ولما روي أنه عليه السلام کان يصغي لها الإناء فتشرب منه ثم يتوضأ به رواه الدارقطني من طريقين في احداهما أبويوسف القاضي وضعفها بعبد ربه ابن سعيد المقبري و ضعف الثانية بالواقدي لکن قال في الإمام جمع شيخنا أبو الفتح الحافظ في أول کتابه المغازي والسير من ضعفه ومن وثقه ورجح توثيقه وذکر الأجوبة عما قيل فيه روي الدار قطني وابن ماجة من حديث حارثة عن عمرة عن عائشة رضي الله عنه قالت کنت أتوضأ أنا و رسول الله من إناء واحد قد أصابت من الهرة قبل ذلک قال الدار قطني وحارثة لا بأس به والجواب أنه قد عارضه ما رواه الحاکم وصححه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله السنور سبع والمراد بيان الحکم دون الخلقه والصورة لکن سقطت النجاسة لعلة الطواف فبقيت الکراهة لأن المتعلق بالسباع حکمان حکم السؤر وحکم اللحم فثبت في الهرة حکم اللحم وهو الحرمة لعد المعارض وعدم الضرورة وحکم السؤر شيأان النجاسة کسباع البهائم والکراهة کسابع الطير فإذا انتفي ارادة النجاسة لما قلنا تعين ارادة الکراهة (وإن أکلت الهرة الفارة ثم شربت الماء على الفور) من غير أن تمکث وتلحس فمها (يتنجس) الماء لاتصال أثر النجاسة من لسهانها إليه (وإن مکثت ساعة ولحست فمها فمکروه) وليس بنجس عند أبي حنيفة رحمه الله و أبي يوسف رحمه الله خلافا لمحمد بناء على التطهير بغير الماء فإن فمها قد انغسل وهو طاهر على ما مر فازالة النجاسة به جائزة عندهما فيطع شربها بفم طاهر خلافا لمحمد رحمه الله وأبي يوسف رحمه الله و إن کان يشترط الصب في طهارة العضو فقد سقط في مثل هذا الموضع لمکان الضرورة کذا في الکفاية ويجوز أن يقال إن امرا ر الريق باللسان بمنزلة الصب (وسؤر الحمار والبغل) الذي امه اتان (مشکوک) ففيه قيل الشک في طهارته لأنه لو کان طاهرا لکان طهورا ما لم يغلب اللعاب على الماء وقيل في طهوريته لأنه لو وجد الماء المطلق لم يجب عليه غسل رأسه فهو طاهر بلا شک وهو الأصح وقد نص محمحد رحمه الله عليه في النوادر حيث قال أربع لو غمس فيها الثوب لم ينجس سؤر الحمار والماء المستعمل ولبن الاتان وبو ما يؤکل لحمه کذا في المبسوط وجه الشک في الطهورية تعارض الأدلة فحديث خيبر في اکفاء القدور وفي بعض رواياته أنه عليه الصلوة والسلام أمر مناديا ينادي بإکفائها فإنها رجس رواه الطحاوي وغير يفيد النجاسة وحديث غالب بن بحر حيث قال له عليه السلام هل لک من مال فقال ليس لي مال إلا حميرات لي فقال عليه السلام کل من سمين مالک يفيد الطهارة والصحابة اختلفوا في طهارته ونجاسته واالاقيسة تعارضت فيه فليس کا لکب في المباعدة وعد المخالطة فيلحق به وليس کالهرة بأنه ينجس ما هو طاهر بيقين ولا بأنه يطهر ما هو نجس بيقين إلا النجاسة الحقيقية عند أبي حنيفة رحمه الله وأبي يوسف رحمه الله لقلعه إياها حقيقة کما في الخل بخلاف الحکمية وتقدم حکم المشکوک في فصل التيمم وتقييد البغل بکون امه اتانا ذکره غير واحد منهم السروجي في شرح الهداية قال إذا نزا الحمار على الرمکة لا يکره لحم البغل المتولد بينهما فعلى هذا لا يصير سؤره مشکوکا فيه انتهي. والمراد لا يکره عند الإمامين الحاقا له بالفرس وعند أبي حنيفة رحمه الله يکره الفرس إلا أن سؤره لا يکون مشکوکا اتفاقا کما هو الصحيح في سؤر الفرس وکذا البغل الذي امه بقرة يحل لحمه اتفاقا ولا يکون سؤره مشکوکا ليکن ينافي هذا قول صاحب الهداية والبغل من نسل الحمار فيکون بمنزلته فإنه يقيد باعتبار الأب إلا أن الأصل في الحيوانات الإلحاق بالأم کما صرحوا به في غير موضع (وعرق کل شيء معتبر بسؤره) فما کان سؤره طاهرا فعرقه طاهر وما سؤره نجس فعرقه نجس وما سؤره مکروه فعرقه مکروه أى يکره أن يصلي بدنه أو ثوبه ملوث به (إلا أن عرق الحمار) وکذا البغل (طاهر) وهذا الاستثناء إنما يصح على القول بأن الشک في الطهارة فإذا قيل إن سؤره مشکوک وفي طهارته ونجاسته وعرق کل شيء معتبر بسؤره صح أن يقال إلا إن عرق الحمار طاهر أى من غير شک وقوله (عند أبي حنيفة رحمه الله في الرواية المشهورة) إنما هو لأجل أن الروايات عنه مختلفة إلا أن المشهورة هى رواية لأن الإمامين يخالفانه (کذا ذکره القدوري) أى ذکر أن عرقه طاهر في الرواية المشهورة وکذا ذکره صاحب الهداية وغيره أيضا وجهه أن النبي رکب الحمار معروريا في حر الحجاز والغالب أنه يعرق ولم يرو أنه عليه السلام غسل بدنه أو ثوبه منه (وقال شمس الأئمة) الحلواني عرق الحمار (نجس) إلا إنه جعل عفوا في الثوب والبدن للضرورة وهو رواية عن أبي حنيفة رحمه الله أيضا فإنه روي عنه فيه ثلث روايات أنه نجس نجاسة غليظة وأنه نجس نجاسة خفيفة والرواية المشهورة الصحيحة أنه طاهر کما أن الصحيح أن سؤره طاهر وإنما الشک في طهوريته ولا يتأتي ذلک في العرق فإنه جميع أنواعه غير طهور (ولبن الاتان) أى الحمارة (نجس في ظاهر الرواية) عن أصحابنا الثلاثة (و) روي (عن محمد رحمه الله) في النوادر
(أنه طاهر) ولکن لا يؤکل وهو الصحيح ولم أر تصحيحه لغير المصنف رحمه الله بل في الهداية وکذا لبنه و عرقه لا يمنع جواز الصلوة وإن فحش قال في الکفاية هذا في العرق بحکم الروايات الظاهرة صحيح وأما في اللبن فغير صحيح لأن المذکور في الکتب نجاسة لبن الحمار أو الروايتان فيه ذکر شمس الأئمة السرخسي في المبسوط في تعليل سؤر الحمار فقال وکذلک اعتبار سؤره بعرقه يدل على طهارته واعتباره بلبنه يدل على نجاسته وذکر في المحيط ولين الاتان نجس في ظاهر الرواية وروي عن محمد أنه طاهر ولا يؤکل وذکر الإمام التمرتاشي رحمه الله عن البزدوي رحمه الله يعتبر في الکثير الفاحش هو الصحيح وعن عين الأئمة الصحيح أنه نجس نجاسة غليظة لأنه حرام بالإجماع وفي فتاوي قاضيخان في طهارة لبن الاتان روايتان انتهي. والذي تقتضيه الدراية هو ما ذکره عن الأئمة لأن الحرمة لا للکرامة مع صلاحية الاغتذاء آية النجاسة وليس فيه ضرورة کما في السؤر فيکون نجسا بنجاسة مغلظة کبوله. (وإن أصاب الثوب) أو البدن شيء من السؤر المکروه لا يمنع جواز الصلوة فإن فحش أى ولو کان بحيث يعد کثيرا فاحشا لأنه طاهر إلا أنه تکره الصلوة معه کما يکره الوضوء بالسؤر المکروه آکله وشربه وأن يدع الهرة تلحس بدنه أو ثوبه ثم يصلي به من غير غسل ولأصح إنها کراهة تنزيه على ما اختاره الکرخي وقيل کراهة تحريم على ما اختاره الطحاوي وما تقدم من الأحاديث يرجع الأول (وإن أصاب الثوب) أو البدن شيء (من السؤر المشکوک لا يمنع) جواز الصلوة (أيضا) وإن فحش (وروي عن أبي يوسف رحمه الله أنه قال يمنع إذا فحش) بناء على أنه نجس نجاسة خفيفة کما تقدم أنه إحدي الروايات عن أبي حنيفة رحمه الله في العرق والسؤر مثله في الحکم (والصحيحين أن الشک في طهوريته لافي طهارته) بل هو طاهر قطعا وقد تقدم (وإن أصاب الثوب) أو البدن (شيء من السؤر النجس يمنع) جواز الصلوة (إذا زاد على قدر الدرهم) لأنه نجاسة غليظة (والأصل فيه) أى في ما يمنع جواز الصلوة (أن النجاسة الغليظة إذا کانت قدر الدرهم أو دونه فهى عفو لا يمنع) جواز الصلوة (عندنا وعند زفر رحمه الله والشافعي رحمه الله) وکذا عند مالک وأحمد رحمه الله (تمنع) النجاسة (جواز الصلوة وإن قلت) أى ولو کانت قليلة لأن النص الموجب للتطهير لم يفصل بين القليل والکثير کما في النجاسة الحکمية ولنا أن القليل عفو إجماعا إذ الاستنجاء بالحجر کاف بالإجماع وهو لا يستاصل النجاسة ولان التحرز عن القدر القليل متعذر والتقدير بالدرهم مروي عن عمر رضي الله عنه وعلي رضي الله عنه وابن مسعود رضي الله عنه وهو مما لا يعرف بالرأى فيحمل على السماع وأما النجاسة الحکمية فإنها لا تتجزي فيعفي عن مقدار معلوم منها ولا حرج في ازالتها بخلاف الحقيقية فافترقا (ولکن ينبغي أن يغسل وإن کانت) أى ولو کانت النجاسة (أقل من الدرهم) على ما تقدم في الآداب اإنها إذا کانت أقل من قدر الدرهم يستحب غسلها وإن کانت قدر الدرهم يجب وإن زادت يفرض (حتي أن الثوب) أو البدن (إذا أصابته من النجاسة الغليظة أقل من قدر الدرهم ولم يغسل ثم أصابه) منها (مقدار ما لو جمعت بتلک النجاسة) التي أصابته أو لا (يصير) جواب لو أى مقدار مالو جمع بالنجاسة الأولي لصار ذلک المقدار معهما أو لصار المجموع ّأکثر من قدر الدراهم منعت) تلک النجاسة حينئذ جواز (الصلوة بالإجماع) لأن المانع حمله النجاسة الزائدة على قدر الدرهم في الصلوة وهو موجود ولو حصل الاصابة في زمانين أو في مکانين (وقد روي عن أبي حنيفة رحمه الله أنه غسل ثوبه من قطرة دم أصابته) وکيف لا وقد کان رحمه الله في غاعة الورع والمحافظة على آداب الشريعة ولا يلزم من قوله أن غسله ليس بفرض أن لا يغسله فإنه إن انعدم فيه دليل الفرض لم ينعدم فيه دليل السنية أو الاستحباب والتمقي لا يترک سنة ولامستحبا لغير ضرورة فکيف من هو من أعيان المتقين (ثم الدرهم) المقدر به هو الدرهم الکبير (الشهليلي) منسوب إلى الشهليل بکسر أو اسم موضع ذکره في المستصفي عن الهادي وهو (مثل عرض الکف) أى مقعر الکف وهو داخل اصول الأصابع وأخذ التقدير به من موضع الاستنجاء قال النخعي رحمه الله استقبحوا ذکر المقاعد في مجالسهم فکنوا عنه بالدرهم إلا أن التقدير به من حيث المساحة ليس مطلقا بل الصحيح ما (قال) الفقيه (أبو جعفر) الهندواني (يقدر بالوزن) أى بالدرهم الوزني وهو ما يبلغ وزنه مثقالا (في النجاسة المتجسدة) ذات الجرم (کالعذرة) ولم الميتة ونحوهما (و) و يقدر (بالبسط والعرض) المذکور (في النجاسة الرقيقة) التي لا جرم لها (کالبول والخمر) والدم المائع ونحوها وذلک لأن محمدا رحمه الله ذکر الدرهم الکبير في النوادر واعتبره من حيث العرض فقال الدرهم ما يکون مثل عرض الکف وذکره في کتاب الصلوة واعتبره من حيث الوزن فوفق الفقيه أبو جعفر بين کلاميه بما ذکروا وافقه على ذلک من بعده وقالوا هو الصحيح.
وإن أصابه (أى الثوب (دهن نجس هو أقل من قدر الدرهم) عند الأصابة ثم انبسط بعد ذلک حتي صار أکبر من قدر الدرهم (قال بعضهم يعتبر وقت الأصابة) وحينئذ (فلا يمنع) جواز الصلوة بعد ما صار أکثر من قدر الدرهم وهو اختيار المرغيناني وجماعة (وقال بعضهم) يعتبر وقت الصلوة وحينئذ (يمنع) الصلوة (وبه) أى بالقول الثاني (يؤخذ) لأن مساحة النجاسة وقت الصلوة أکثر من قدر الدرهم والمعفو أنما هو قدر الدرهم منها وما صلي به قبل الانبساط جائز لعدم القدر المانع إذ ذاک وتحقيقه أن المعتبر في المقادر من النجاسة الرقيقة ليس جوهر النجاسة بل هو جوهر المتنجس عکس الکثيفة فليتأمل (وإن أصاب) الدهن النجس (الجلد و تشرب) أى سري الدهن في الجلد (أو أدخل) الرجل (يده في السمن النجس) أو غيره من الادهان النجسة (أو المرأة اختضبت بالحناء النجس) أو غيره من الخضابات النجسة(أو الثوب إذ صبغ بالصبغ) بالکسر (النجس ثم) غسل کل من الأشياء المذکورة (ثلث مرات طهر الجلد) من النجس المتشرب فيه (والثوب) من الصيغ النجس (واليد) من الدهن النجس والخضاب النجس (وإن بقي) أى ولو بقي (أثر الدهن) من الدسومة في اليد والجلد (و) أثر (الجلد) من الدهن (فهو عفو) لذلک بل أولي إذ قد يتعذر زواله (وذکر في المحيط يطهر الثوب (أى المصبوغ بشيء نجس (بشرط أن يغسل حتي يصفو الماء ويسيل منه الماء الأبيض) أى الخالص من لون الصبغ وکذا قال قاضيخان في خضاب اليد ينبغي أن لا يکون طاهرا مادام يخرج منه الماء الملون بلون الحناء وذلک لأن المشقة أنما توجد إذا کانت العين لا تزول بالماء ومادام اللون يوجد في الماء فهى تزول به فلم توجد المشقة الموجبة للعفو عن النجاسة مع بقاء أثرها ولا يشترط في ازالة الأثر شيء آخر غير الماء بل (وإن غسل) أى ولو غسل الثوب أو الخضاب أو نحوه بالماء (بغير حرض) ولا صابون ونحوهما حتي لم يبق في الماء لون يطهر (إلا يري إلى ماروي عن أبي يوسف رحمه الله في تطهير الدهن النجس (أى المتنجس (أنه إذا جعل (الدهن) في إناء فصب عليه الماء فيعلوا الدهن) (على وجه الماء (فيرفع بشئ) ويراق الماء ثم يفعل هکذا حتی (إذا فعل) کذلک (ثلث مرات يحکم بطهارة الدهن) وعند محمد لا يطهر الدهن بوجه و قوله أحوط وقول أبي يوسف أوسع و هذه الصورة من صور تطهير ما لا ينعصر و قد ذكروا ان الفتوى فيه على قول أبي يوسف مطلقاً (و) ذكر )في الذخيرة رجل أدهن رجليه ثم توضأ وغسل رجليه فلم تقبل الرجل الماء جاز وضوءه) لأن الفرض الغسل و هو اسالة الماء على العضو لا إثباته عليه وقد حصل (ثوب) مبطن ( أصابه) في ظهارته (نجاسة أقل من قدر الدرهم فنفذت إلى بطانته فصار) النجس (جواز الصلوة) عند محمد لأن البطانة في حكم ثوب آخر فصار كما لو كان في جبته أقل من درهم وفي قميصه كذلك و لو جمعا زاد على قدر الدرهم و عند أبي يوسف لا يمنع لأن البطانة مع الظهارة في حكم ثوب واحد فصار كمالو أصاب النجس وجه الثوب و هو أقل من قدر الدرهم فنفذ إلى وجهه الآخر بحيث لو اعتبر الوجهان زادا على قدر الدرهم فإنه لا يمنع على ما اختاره قاضيخان فكذا هذا و قيل إن كان الثوب مضرباً لا يمنع بالاتفاق قال قاضيخان و قول أبي يوسف أوسع و قول محمد أحوط انتهى. والأوجه أن يفصل ففي غير المضرب يؤخذ بقول محمد وفي المضرب بقول أبي يوسف لأن التضريب يجعله ثوباً واحداً بالاتصال التام بخلاف غير المضرب فإن الاتصال فيه غير تام (وإذا ألف الثوب المبلول النجس في ثوب طاهر يابس فظهرت نداوته) أى نداوة الثوب المبلول على الطاهر ولكن لا يصير رطباً يسيل منه شئ بالعصر بل كان (بحيث لو عصر لا يسيل) منه شئ (ولا يتقاطر) اختلف المشائخ فيه (والأصح أنه لا يصير نجساً ) كذا في الخلاصة وكثير ذكره من غير اشارة إلى خلاف و كان وجهه القياس على ما يبقي من الرطوبة بعد العصر في المرة الثالثة بحيث لا يتقاطر بعده لو عصر لكن يرد أن قياسها على النداوة الباقية بعد العصر في المرة الأولى لوجود النجاسة بكمالها في الثوب الذي سرت منه الرطوبة كما في الذي عصر أول مرة ويجاب بأن النجاسه إذا كانت ثابتة فزالت بالغسل و العصر شيئاً فشيئاً إلى حد النهاية و هى الرطوبة الباقية بعد عصر الثالثة يعفى عنها حينئذ وإذا لم تكن ثابتة فابتدأت بالثوب كما في مسئلتنا فما دامت البداية مثل تلك النهاية في عدم المتقاطر بالعصر يعفى عنها كما عفى هناك بخلاف ما بعد عصر الأولى والثانية فإنه ليس بنهاية فالحاصل قياس ابتداء النجاسة فيما هو طاهر على انتهائها فيما كان نجسا فليتامل وإذا فهم هذا يجب أن يعلم أن وضع المسئلة إنما هو في الثوب المبلول بالماء بخلاف المبلوله بعين النجاسة كالبول و نحوه لإن النداوة حينئذ عين النجاسة وإن تقطر بالعصر كما لو عصر الثوب المبلول بالبول ونحوه حتى ينقطع التقطار منه فإنه لا يطهر وكما بعد العصر في المرة الأولى أو الثانية وكذا ينبغي أن تقيد المسئلة أيضاً بما إذا لم يظهر في الثوب الطاهر أثر النجاسة من لون أو ريح حتى لو كان المبلول متلوناً بلون أو متكيفا بريح فظهر ذلك في الطاهر يجب أن يكون نجساً كما لو غسل ذلك النجس ولم يزل أثره ولم يبلغ حد المشقة حيث لا يحكم بطهارته فكذا هذا الحاقاً للبداية بالنهاية على ما مرّ هذا و قال الشيخ كمال الدين بن الهمام لا يخفى أنه قد يحصل بل الثوب و عصره نبع رؤس صغار ليس لها قوة السيلان ليتصل بعضها ببعض فتقطر بل تقر في مواضع نبعها ثم ترجع إذا أحل الثوب و يبعد في مثله الحكم بطهارة الثوب مع وجود حقيقته المخالط فالأولى إناطة عدم النجاسة بعدم نبع شئ عند العصر ليكون مجرد نداوة لا بعدم التقاطر انتهى. (وكذا حكم الثوب اليابس) أيضاً ( إذا بسط على أرض نجسة رطبة) بالماء فظهرت رطوبتها فيه لكن لا يقطر لو عصر فإنه لا يتنجس لما قلنا وكذا لو نشر الثوب المبلول على مكان يابس نجس فابتل منه لكن لم يظهر عين النجاسة في الثوب ( وكذا إن نام على فراش نجس نعرق وابتل الفراش مع عرقه ) فإنه ) لم يصب بلل الفراش) بعد ابتلاله بالعرق جسده ( لا يتنجس) جسده (وكذا إذا غسل رجليه و مشى على لبد نجس) فابتل اللبد لا تتنجس رجله (وكذا إن مشى على أرض نجسته) بعد ما غسل رجليه (فابتلت الأرض من بلل رجليه و أسود وجه الأرض) أى بالنسبة إلى لونه الأول (لكن لم يظهر أثر البلل) المتصل بالأرض (في رجله) لم تتنجس رجله (وجازت صلوته) بدون اعادة غسلها لعدم ظهور عين النجاسة في جميع ذلك والطاهر بيقين لا يصير نجسا إلا بيقين لايصير نجسا إلا بيقين مثله (و) أماأنفه (فلا وضوء عليه) لما قلنا وإن خرج من الفم فعليه الوضوء قال قاضيخان لأن ما يخرج من الفم لا يخرج إلا بعد الوصول إلى الجوف وأنه موضع النجاسة أقول قد ينزل من الدماغ إلى الحلق من غير أن يصل إلى الجوف كما في البلغم فينبغي أنه إذا علم ذلك لا ينقض (وإن دخل ماء في أذنه عند الاغتسال ثم خرج من أنفه فلا وضوء عليه ) وكذا إن عاد من أذنه وهذه المسائل و إن كان محلها نواقض الوضوء لكن لما كان كل ما خرج من البدن مما هو ناقض فهو نجس و ما لا فلاناسب بيانها في مباحث النجاسة نعم ما بعدها ليس إلا محض استطراد وهو قوله ( القرحة) إذا (برئت وارتفع قشرها ) وهو الجلد الذي كان تحته المادة (ولكن أطراف القرحة موصولة بالجلد ) المرتفع إلا (الترف الذي كان يخرج منه القبح) فإنه منفتح غير متصل باللحم (فتوضأ) صاحب القرحة فوق ذلك الجلد المرتفع جاز وضوءه وإن لم ) أى ولو لم (يصل الماء) حال الوضوء (إلى ماتحته) أى إلى ما تحت ذلك الجلد لأنه لم يخرج عن كونه ظاهر بدنه وماتحته من كونه باطنه (ولو توضأ) الوجل ثم (حلق رأسه أو لحيته أو قلم ظفره لم يجب امرار الماء على تلك الأعضاء) وقد تقدم ذلك في محله (الماء الذي يسيل من فم النائم فهو طاهر) أدخل الفاء في الخبر لتضمن المبتدأ معنى الشرط كأنّه قال أى ماء سال من فم النائم فهر طاهر كيفما كان سواء كان متحللا من الفم أو مرتقيا من الجوف ولذا قابله بالتفصيل في قوله (وذكر في المحيط أنه جف وبقى له ) أى بعد الجفاف (أثر) أى ريح أو لون بأن كان منتنا أو أصفر (فهو نجس) وجه الأوّل إن الغالب كونه من البلغم وهو طاهر مطلقا عندهما خلاف لأبي يوسف و وجه الثاني إن ما كان متغيراً فالظاهر كونه من المعدة وما خرج منها نجس و استثناؤهما البلغم للزوجته وهذا ليس كذلك على أن يكون من قرحة ونحوها أيضاً (وقال في المتقط هو طاهر إلا إذا علم أنه من الجوف) وهو غير مخالف لما في المحيط فإن تغير الرائحة واللون دليل أنه من الجوف وأما إذا علم أنه من قرحة ونحوها فلا خفاء في نجاسته والكلام فيما إذا لم يعلم ذلك (وأما نجاسة الخفيفة و هى كبول ما يؤكل لحمه) ونحوه مما تقدم (فإنها مقدرة) في المنع في جواز الصلوة معها (بالكثير الفاحش) أى الذي يستفحشه الطباع السليمة أو طبيعة المبتلي به وهذا هو الأصل المروي عن أبي حنيفة على ما هو دابه من التفويض إلى رأى المبتلي به حتى روى أنه كره تقديره وقال الفاحش يختلف باختلاف طبائع الناس كذا قاله ابن الهمام في شرح الهداية (وروى عن أبي حنيفة) هكذا في جميع النسخ والصواب على ماذكره في الهداية و شروحها و سائر الكتب أن الرواية (إنه مقدر بشبر في شبر) إنما هى عن أبي يوسف و في رواية عنه أيضاً أنه مقدر بذراع في ذراع (وروى عن محمد) و هو مروي عن إبي حنيفة أيضاً أن القدر المانع (يعتبر بالربع) قال في الهداية هو الأصح وفي الكافي و هو الصحيح لأن الربع أقيم مقام الكل في كثير من الأحكام كالثوب النجس إذا كان ربعه طاهر أو كحلق ربع الرأس في الإحرام وكشف ربع العورة (ثم اختلف المشائخ في كيفية اعتبار الربع) أى بأى نسبة يعتبر (فقال بعضهم) يعتبر (ربع جميع الثوب) المصاب (وقال بعضهم يعتبر) ربع الموضع الذي أصابه (إن كان) ذلك (ذيلا فربع) الذيل هو المعتبر في المنع وإن كان دخريصاً أو كما فربع الدخريص أو الكم وكان البعض القائلين بهذا (أرادوا به ربع ثلث الثوب) الشامل للبدن كله و قدر بعضهم بربع أدنى ثوب تجوز به الصلوة وهو ما يستر العورة من السرة إلى الركبة ووفق الشيخ كمال الدين بن الهمام بين هذا و بين القول الأول بأن الثوب إن كان شاملاً للبدن اعتبر ربعه وإن كان أدنى ما تجوز فيه الصلوة اعتبر ربعه لأن الكثير بالنسبة إلى الثوب المصاب أى لأن ربع الثوب الشامل كثير بالنسبة وربع أدنى ما تجوز فيه الصلوة كثيراً بالنسبة إليه وإن كان قليلاً بالنسبة إلى الشامل وهذا هو المختار والله أعلم.

(أما الشرط الثاني فهو الطهارة من الإنجاس) لما بين الشرط الأولى وهو الطهارة من الأحداث شرع أن يبين الشرط الثانى وهو الطهارة من الأنجاس وإنما بين بعض أحكام الأنجاس في طهارة الأحداث استطراداً باعتبار ما يصيب الماء منها و الأنجاس جمع نجس بفتح الجيم و بكسرها فالأول اسم ولا تلحقه التاء والثاني صفة وتلحقه والأول استعماله مخصوص بالنجاسة الذاتية لا يستعمل فيما تعرض له النجاسة إلا مبالغة كقوله تعالى إنما المشركون نجس والثاني يستعمل في الذاتية والعرضيه فهو أعم مطلقاً فيقال نحو العذرة نجس بالفتح ونجسة بالكسر والخنزير نجس بالفتح و بالكسر و لايقال في الثوب الذي أصابته النجاسة نجس بالفتح و إنما يقال بالكسر (يجب) أى يفرض (على المصلى) أى من يريد أن يصلى قبل الشروع في الصلوة (أن يزيل النجاسة) المعانعة (عن بدنه وثوبه و المكان الذي يصلي فيه) أى عليه كما في قوله تعالى لأصلبنكم في جذوع النخل أو المراد المكان الذي يقع فعل الصلوة فيه وفرضية طهارة الثوب بقوله تعالى وثيابك فطهر على أن المراد به حقيقة التطهير ويراد أيضاً حال إرادة الصلوة ليكون الأمر على حقيقته أيضاً وما قيل أن المراد فقصر ففيه عدول عن الحقيقة من غير ضرورة وإذا وجب تطهير الثوب وجب تطهير البدن والمكان بالأولوية لأنهما ألزم للصلوة منه إذ لا تنفك عنها وقد تنفك عن الثوب إذا لم يوجد وعلى ذلك انعقد اجماع الأمة من غير مخالف (وكما تجوز إزالتها) أى النجاسة الحقيقة (بالماء المطلق فكذا تجوز) ازالتها (بالماء المقيد) كما الورد و ماء البطيخ والخيار و بكل مائع ذاهر يمكن ازالتها به كالخل ونحوه وقد تقدم الكلام على ذلك مستوفى في فصل المياه (وكذا تجوز ازالتها بالنار أو بالتراب) لأن المقصود قلع أثرها فإذا حصل بالنار أو بالتراب اجزأ وحصول ذلك (في مواضع منها إذا تلطخ السكين) ونحوه (بالدم أو) تلطخ (رأس والسكين) ونحوهما بالنار لحصول المقصود (وكذا إذا أصاب السكين دم فمسح بالتراب يطهر) لما قلنا (و) روى (عن محمد ) أنه (إذا أصاب يد المسافر نجاسة قال محمد يمسحها بالتراب) وتخصيص المسافر لأن الغالب عليه عدم ما يزيل به النجاسة من المائعات فيقللها بالتراب وليس المراد أنها تطهر بحيث يجوز ذلك مع وجود المعائع أو أنه لا يجب غسلها بعد ذلك إذا وجد فإن أبا حنيفة و أبا يوسف أنما جوزا ذلك في الخف ونحوه بالحديث ومحمد لا يوافقهما على ذلك فكيف يجوزه هنا فيحمل على ما قلنا من التقليل لضرورة عدم المزيل كذا قاله الشيخ كمال الدين بن الهما وكذا إذا (أصاب الخف) أو نحوه من النعل والجرموق وغيرهما (نجاسة لها جرم) كالعذرة والروث نحوهما (عن أبي يوسف أنه قال إذا مسحه بالتراب أو بالرمل على سبيل المبالغة يطهر وعليه) أى على قول أبي يوسف المذكور (فتوى مشائخنا ذكره في المحيط) وعند أبي حنيفة أيضاً يطهر بالدلك لكن إذا جفت النجاسة لا إذا كانت رطبة وعند محمد لا يطهر إلا بالغسل قياساً على سائر النجاسات ولهما ما روى أبو داؤد من حديث أبي سعيد الخدري رضى الله عنه أنه عليه السلام قال إذا جاء أحدكم إلى المسجد فلينظر فإن رأى في نعله أذى لو قذراً فليمسحه أو خفيه فطهرهما التراب ولكن عدل أبو حنيفة عن إطلاقه في الرطبة لبقاء أجزاء النجاسة وهى الرطوبة حقيقة بخلاف ما إذا جفت فإنها حينئذ تجتذب تلك الأجزاو إلى نفسها و عمل أبو يوسف بإطلاقه لأن التراب إذا بولغ في المسح به تجتذب تلك الأجزاو أيضاً إلا أنه استثنى الرقيق في رواية كما قال المصنف (وإن لم يكن لها) أى للنجاسة التى أصابت الخف (جرم كالبول والخمر) ونحوهما (فلابد من الغسل) بالاتفاق (رطبا كانا أو يابسا) قال في الكفاية وغيرهما أى مزيل نجاستها ونحن نعلم يقيناً إن الخف إذا تشرب البول أو الخمر لا يزيله المسح ولاتخرجه عن أجزاء الجد فكان إطلاق الحديث مصروفاً إلى ما يقبل الازالة بالمسح (وكان القاضي الإمام أبو على النسفي يحكي عن الشيخ الإمام أبي بكر محمد بن الفضل) أنه قال في من أصاب نعل النجاسة الرقيقة (إذا مشى على التراب أو الرمل ولزق بعض التراب) أو الرمل بالنعل وجف و مسحه بالأرض (يطهر) أيضاً عند أبي حنيفة (وهكذا) أى كما روى ابن الفضل عن أبي حنيفة (روى الفقيه أبو جعفر) الهندوني (عنه) قال شمس الأئمة السرخسي و هو الصحيح (وعن أبي يوسف) أيضاً (مثل ذالك) الذي روياه عن أبي حنيفة (إلا أنه) أى أبا يوسف (لا يشترط الجفاف) فيه كما اشترطه أبو حنيفة بل بمجرد ما استجسد بالتراب أو الرمل أو مسحه يطهر كما هو أصله في ذات الجرم قال الشيخ كمال الدين بن الهمام في توجيهه أن المختار قول أبي يوسف في ذات الجرم لعموم البلوى ونعلم أن الحديث يفيد طهارتها بالدلك مع الرطوبة إذ ما بين المجسد والمنزل ليس مسافة يجف في مدة قطعها ما أصاب الخف قطعاً فاطلاق ما يروى مساعد بالمعنى ثم قال بعد ماذكر معنى المذكور في الكفاية من توجيه استثناء الرقيقة ولايخفى ما فيه إذ معنى طهور بطهر واعتبر ذلك شرعاً بالمسح المصرح به في الحديث الآخر يعني رواية أبي سعد قال وكما لا يزيل ماتشربه من الكثيف حال الرطوبة على ما هو المختار للفتوى والحاصل فيه بعد ازالة الجرم كالحاصل قبل الدلك في الرقيق فإنه لا يتشرب إلا ما في استعداد قبوله و قد يصيبه من الكثيفة الرطبة مقدار كثير بتشرب من رطوبته مقدار ما يتشربه من بعض الرقيق انتهى. فالحاصل أن المختار للفتوى عملاً باطلاق الحديث الطهارة بالدلك في الخف ونحوه سواء كانت النجاسة ذات جرم من نفسها أو صادت ذات جرم بغيرها كالرقيقة المتجسدة بالتراب ونحوه رطبة كانت أو بابسة ( وكذا يجوز ازالتها) أى زالت النجاسة في الجملة (بالحك) بالظفر (والحت ) بنحو عود أو حجر (والفرك) أى دلك بعضه ببعض أما الحكم والحك فإنه (في الخف) ونحوه حتى (إذا أصابته نجاسة لها جزم فيبست يطهر بالحك والحت عند أبي حنيفة وأبي يوسف)خلافاً لمحمد استدلالاً بما تقدم من الحديث فإنه يفيد أن زوال الجرم مطهر للنعل والحك والحت يزيلان له والرواية ذكرها في الجامع الصغير ولا خلاف بين أبي حنيفة و أبي يوسف في اشتراط الجفاف هنا لأن القلع بالحك والحت لا يتأتى في الرطب وهذا كله إذا لم يبق أثر النجاسة من اللون أو الريح وإن بقي لم يزل إلا بالغسل فلا بد من الغسل ( وذكر في المحيط أن محمد ارجع إلى قولهما) في طهارة الخف ونحوه بالدلك والحك والحت (بالري لما رأى عموم البلوى) بحيث لا يدركه الطرف ( فذلك) الاتنضاح في الحكم (ليس بشيء) معتبر بل هو كلا انتضاح وقد سئل ابن عباس عن ذلك فقال أنا أرجوا من عفوالله تعالى أوسع من هذا ولأن الذباب يقع على النجاسة ثم يقع على ثياب المصلي ولا بد على رجلها شيء من النجاسة واحد لا يستطيع الاحتراز عنه وقوله مثل رؤس الابر اشارة إلى أنه لوأن مثل رؤس الغسالة منع وقال الهندواني يدل على أنه لو كان مثل الجانب الآخر اعتبر وغيره من المشائخ لا يعتبر الجانبين دفعاً للحرج وإذا لم يعتبر لا يجمع مع غيره أما إذا وقع ذلك الثوب ونحوه في الماء القليل فقيل لا ينجسه لأن اعتبار هذه النجاسة لما سقط عم الثوب والماء وقيل ينجسه وهو الأصح لأن سقوط اعتبارها كان لدفع الحرج ولا حرج في الماء كذا في الكفاية والتقييد بعدم ادراك الطرف ذكره المعلى في النوادر عن أبي يوسف قال إذا انتضح من البول شيء يرى أثره لا بد من غسله و إن لم يغسل حتى صلى وهو بحال لو جمع كان أكثر من قدر الدرهم أعاد الصلوة انتهى. وإذا صرح بعض الأئمة بقيد لم يرو عن غيره منهم تصريح بخلاف ما لا يرى كما في أثر أرجل الذباب فإن في التحرز عنه حرجاً ظاهراً وانتضاح الغسالة في الماء أو الإناء إن كان قليلاً بأن لا يظهر مواقع القطر في الماء لا يفسده وان استبانت مواقعه فهو كثير يفسده وغسالة الميت من الماء الأول والثاني والثالث فاسد فما يصيب ثوب الغاسل من ذلك قدر ما لا يمكن الاحتراز عنه يكون عفواً كذا في فتاوى قاضي خان (وأما الفرك) فيزيل النجاسة (في المني فيطهر الثوب) من المني (به) أبى بالفرك إذا يبس المني على الثوب وهذا بناء على أن المنى نجس نجاسة مغلظة عندنا وبه قال مالك وأحمد في رواية وقال الشافعي رحمه الله و أحمد رحمه الله في رواية طاهر لما استدللنا نحن به على الطهارة بالفرك والحك وهو ما في صحيح مسلم عن عائشة رضى الله عنها لقد رأيتني وأنا أحكه من ثوب رسول الله إذا كان يابساً و أمسحه أو أغسله شك الحميدي إذا كان رطبا ولو كان نسجا لم يكتف بفركه ولما روى عن ابن عباس رضى الله عنه عنه عليه السلام أنه سئل عن المنى يصيب الثوب فقال إنما هو بمنزلة المخاط أو البزاق وقال إنما يكفيك أن تمسحه بخرقة أو بأذخرة قال الدار قطني لم يرفعه غير اسحاق الأزرق عن شريك القاضي ورواه البيهقي من طريق الشافعي رحمه الله موقوفاً على ابن عباس رضى الله عنه وقال هذا هو الصحيح وقد روى شريك عن ابن أبي ليلى عن عطاء مرفوعاً ولا يثبت انتهى. لكن قال ابن الجوزي في التحقيق الإنسان وهو مكرم فلا يكون أصله نجسا ولنا أطباق الأحاديث الصحيحة عن عائشة على أنها كانت تغسله رطباً فإن ما تقدم في حديث أبي عوانة رواه الدار قطني و أغسله من غير شك ويبعد أن يكون غسلها له من غير علمه عليه السلام خصوصاً إذا تكرر منها سيما ما في الصحيحين عن سليمان بن يسار قال سألت عائشة رضى الله عنها عن المنى يصيب الثوب فقال كنت أغسله من ثوب رسول الله فيخرج إلى الصلوة و أثر الغسل في ثوبه إذ يبعد إلا يحس بلل ثوبه مع التفاته عليه السلام إلى حال ذوبه والفحص عنه وعند ذلك يبدو له السبب وقد أقرها عليه فلو كان طاهراً لمعنها من إتلاف الماء من غير حاجة فإنه سرف على أنه في مسلم عنها أنه عليه السلام كان يغسل المنى ثم يخرج إلى الصلوة في ذلك الثوب و أنا أنظر إلى أثر الغسل فيه فإن حمل على حقيقته فظاهرا وعلى مجازه وهو أمره بذلك فهو فرع علمه لكن لقائل أن يقول ولئن سلم أنه فعل عليه السلام فهو عند الإطلاق لا يقتضي الوجوب كما علم في الأصول فلأولى الاستدلال بما روى الدار قطني عن عمار بن ياسر رضى الله عنه  قال أتى عليّ رسول الله و أنا على بئر ادلو ماء في ركوة قال يا عمار ما تصنع قلت يا رسول الله بأبي و أمي أغسل ثوبي من نجاسة أصابته قال يا عمار إنما يغسل الثوب من خمس من الغائط والبول والقئ والدم والمني يا عمار ما نخامتك ودموع عينيك والما الذي في ركوتك الأسواء وقول الدار قطني لم يروه عن علي بن زيد غير ثابت بن حماد وهو ضعيف مدفوع بأنه وجل له متابع عند الطبراني في الكبير وهو حماد بن سلمة وسنده ثنا الحسين بن اسحاق التستري تنا علي بن بحر ثنا إبراهيم بن زكريا العجلي ثنا حماد بن سلمة عن على بن زيد إلى آخر ما ذكره الدار قطني سنداً ومتنا وعلي بن بحر روى له مسلم مقروناً بغيره وعلي بن زيد روى له الحاكم في المستدرك وقال الترمذي صدوق و إبراهيم بن زكريا وثقه البزار فلا ينزل الحديث عن درجة الحسن فيقدم على حديث ابن عباس رضى الله عنه  لأنه مانع ذلك مبيع وقوله أنه مبدأ خلق الإنسان وهو مكرم فلا يكون أصله نجسا ممنوع فإن تكريمه يحصل بعد تطويره الأطوار المعلومة نطفة ثم علقة ثم مضغة إلى آخره قال الشيخ كما ل الدين بن الهمام إلا يرى إن العلقة نجسة و أن نفس المنى أصله دم فيصدق أن أصل الإنسان دم وهو نجس انتهى. قال الفقير أما العلقة فإن الأصح عندهم أنها طاهرة فلا ينقض بها عليهم و أما الدم فقد كان يتخالج النقض به عليهم في خاطري كثيراً ثم ظهر لي عدم ذلك فإن المنى إنما يحصل عنه وهو في محله ولا يحكم عليه بالنجاسة إذ ذاك فلم يبق إلا منع استلزام كونه مكرماً طهارة أصله بل تخليقه في الأصل من شئ نجس ثم تشريفه بأنواع الكرامات أبلغ في المنة وإليه الإشارة في قوله تعالى من ماء مهين إنا خلقناهم مما يعلمون وفي ايجاب الطهارة الكبرى بخروجه كما في دم الحيض بخلاف البول والمذي والودي إشارة لمن تدبر حكمة الحكيم سبحانه وتعالى على إنا لو خصصنا الخلاف بما لم يخلق منه الإنسان لم يضرنا ونخلص من قبح التلفظ بأن أصل خلقة الأنبياء من شئ نجس ولله الحمد والمنة ثم قيل إنما يظهر بالفرك إذالم يسبقه مذي وعن هذا قال شمس الأئمة مسئلة المني مشكلة لأن كل فحل يمذي ثم يمني إلا أن يقال أنه مغلوب بالمني مستهلك فيه فيجعل تبعاً انتهى. وهذا ظاهر فإنه إزا كان الواقع أنه لا يمنى حتى يمذى وقد طهره الشرع بالفرك يا بسامع عدم خفاء ذلك عليه لزم أنه اعتبر كون المذي تبعا ولو بال ولم يستنج بالماء قيل لا يطهر المني الخارج بعده بالفرك قاله أبو اسحاق الحافظ وهكذا رشى الحسن عن أصحابنا وقيل إن لم ينتشر البول على رأس الذكر ولم يتجاشز الثقب يطهر به وكذا إن انتشر ولكن خرج المنى دفقاً لأنه لم يوجد مروره على البول الخارج ولا أثر لمروره عليه في الداخل لعدم الكم بناسة (وكذا) يطهر  (العضو) من المنى إذا أصابه بالحت والفرك) بطريق الدلالة لأن الضرورة فيه أشد منها في البدن على ما قيل وقد روى عن أبي حنيفة رحمه الله أن البند لا يطهر بالفرك وذكر مثله في الأصل لأن حرارة البدن جاذبة رطوبة المني إلى البدن فيرق وتزول لزوجيته ولا يتحقق بفركه استخراج ما تشربه واستحكم في مسامه بخلاف الثوب فإن المنى يتخلله وطوبته فيه لم تنفصل عنه فإذا يبس وفيه رطوبة لم تتداخل الثوب فإذا فرك زالت أو قلت بخلاف سائر النجاسات فإنها ليست بلزجة فرطوبتها تنفصل عنها وتستقر في الثوب أيضاً ثم الظاهر من كلام صاحب الهداية ترجيح هذه الرشاية حيث أخرها مع دليلها ولم يتعقبها وعادته تاخير ما هو الراجح  وهو الوجه لأن الطهارة بالفرك في المني وردت على خلاف القياس ولذا ذهب مالك رحمه الله إلى أنه لا يطهر به وطريق الدلالة ممنوع للفرق المذكور على أن الأحاديث في الثوب أيضاً حكايات أفعال في منيه وهي محتملة لكنو المني قليلاً لكونه مخصوصاً به عليه السلام على ما قيل أن فضلاته عليه الصلوة والسلام طاهرة فكيف تقوم الحجة لنا على طهارة بالفرك مطلقاً في القليل والكثير في حق غيره أم كيف تقوم الحجة للشافعي رحمه الله بها على طهارته من كل أحد والمرجع من مذهبه اختصاصة عليه السلام بطهارة الفضلان حتى الدم والبول على ما صححه القاضي حسين وغيره (وإن كان) أى ولو كان (الثوب) الذي أصابه المني (ذا طاقين) أث مبطنا فنفذ المني إلى البطانة (فإنه يطهر بالفرك وهو الصحيح) كما قاله التمرتاشي لأن ما نفذ إلى البطانة من أجزاء المني خلافاً لم قال لا يطهر ما سري إلى البطانة من رطوبة المني بالفرك لرقته كما قال الفضلي في مني المرأة فإنه لا يطهر بالفرك لأن رقيق (وكذا) يجوز إزالة النجاسة في الجملة (باللحس) كما إذا (أصاب الخمر يده فلحسه ثلاث مرات تطهر) يده (بريقه كما يطهر فمه بريته) خلافاً لمحمد رحمه الله على ما مر وأما (إذا أصاب الثوب نجاسة} هذا شروع في كيفية تطهير النجاسة بالغسل فإن النجاسة أما أن تكون مرئية أو غير مرئية (فإن كانت مرئية فطهارتها زوال عينها ) إلا ما يشق بأن يحتاج في زواله إلى غير الماء كالصابون ونحوه فإنه لا يلزم استعمال ذلك ولا يضر بقاء ما لا يزول بالماء الخالص وقال بعض المشائخ يغسل بعد زوال العين ثلثا الحاقاً بغير المرئية وعن الفقيه أبي جعفر يغسل مرتين كغير مرئية غسلت مرة قال في الخلاصة هذا خلاف ظاهر الرواية وقال بعضهم إذا ذهب العين وقد زالت وحديث المستيقظ في غير المرئية ضرورة أنه مأمور به لتوهم النجاسة ولذا كان مندوبا ولو كانت مرئية كان محققه وكان حكمه الوجوب انتهى. فهذا هو المعتمد وإليه يشير كلام الخلاصة أنه ظاهر الرواية حيث تعقب قول أبي جعفر بأنه خلاف ظاهر الرواية بعد ما قرر أنه لو زالت النجاسة بمرة واحدة تثبت صفة الطهارة (وإن لم تكن النجاسة مرئية) أى إن لم يكن لها لون مخالف للون الثوب (يغسلها حتى يغلب على ظنه أنه قد طهر) وهذا إذا لم يكن لها ريح أيضا فإن كان يجب الغسل إلى زواله إلا ما يشق وهكذا الطعم (وقيل إذا غسل) الثوب من غير المرئية مرة (وعصر بالمبالغة يطهر) كما هو قول الشافعي رحمه الله وأحمد رحمه الله في رواية لأن النجاسة تتخلل في الماء وتخرج معه بالعصر والجواب منع تحقق ذلك بالمرة (وقيل إنه لا يطهر مالم يغسل ثلث مرّات ويعصر في كل مرّة) جعل المصنف رحمه الله هذا القول مغائراً للقول الأول وهو اعتبار غلبة الظن ومقابلاً له حيث عطفه عليه بقيل و قال (والفتى على الأول) والظاهر أنه فهم من الأول  عدم اشتراط العصر والتحقيق أنه ليس مغائراً له بل هو سببه أقيم مقامه تيسيراً قال في الهداية وما ليس مبري فطهارته أن يغسل حتى يغلب على ظن الغاسل أنه قد طهر لأن التكرار لابد منه الاستخراج ولا يقطع بزواله فاعتبر غالب الظن كما في امر القبلة وأنما قدروا بالثلث لأن غالب الظن يحصل عنده فأقيم السبب الظاهر مقامه تيسيراً ويتايد ذلك بحديث المستيقظ من منامه انتهى. فعلم بهذا أن المذهب هو اعتبار غلبة الظن وإنها مقدرة بالثلث لحصولها بها في الغالب وقطعاً للوسوسة وأنه من إقامة السبب الظاهر مقام المسبب الذي في الاطلاع على حقيقته عسر كالسفر مقام المشقة وإمثال ذلك والتائيد بالحديث هو كونه عليه الصلوة والسلام جعل الغسل ثلثا هو الرافع لتوهم النجاسة حيث جعله غلبة للنهي عن غمس اليد في الإناء ثم لم يشترط الزيادة عليها فكذا عند تحقق النجساة يكون الغسل ثلثاً هو الرافع لها من غير اشتراط زيادة إذ لو لم تكف الثلث لازالتها لم تكن رافعة للتوهم ثم اشتراط العصر في كل مرة هو ظاهر الرواية عن أصحابنا وعن محمد في غير رواية الأصول أنه يكتفي بالعصر في المرة الأخيرة وعن أبي يوسف رحمه الله أن العصر ليس بشرط (و) يتخرج )على هذا( الاختلاف من اشتراط غلبة الظن من غير عصر أو التثليث مع العصر كل مرة (مسائل) ذكرت في المحيط والجامع الصغير للإمام التمرتاشي منها (ما روى عن أبي يوسف رحمه الله أن الججنب إذا تزر في الحما و صب الماء على جسده من حيث ) أى من جهة (الظهر و البطن حتى خرج من الجنابة ثم صب الماء على الإزار يحكم بطهارة الإزار وإن) أى ولو (لم يعصره وقال) أى أبو يوسف رحمه الله (في موضع آخر) أى في رواية أخرى (إن صب الماء على الإزار و امرّ الماء بكفيه فوق الإزار فهو أحسن) و أحوط و إن لم يفعل يجزيه وعلى هذا ذكر شمس الأئمة الحلوائي أن النجاسة لو كانت بولاً أو ماء نجسا وصب الماء عليه كفاه ويحكم بطهارة الثوب قال الشيخ كمال الدين الهمام لكن لا يخفى أن ذلك أي المروي عن أبي يوسف رحمه الله فى الإزار لضرورة ستر العورة فلا يلحق به غير ولا تترك الروايات الظاهرة ( فيه وفي المنتقى شرط العصر على قول أبي يوسف) أيضاً و تقدم أنه ظاهر الرواية عن الكل وفي المنتقى (أيضاً ولو أصاب البول ثوبه فغمسه مرة واحدة في نهر جار و عصره يطهر وهذا قول أبي يوسف رحمه الله أيضاً) في غير ظاهر الرواية ( وذكر في الأصل) وهو ظاهر الرواية (وقال أبو يوسف رحمه الله ) أيضاً (يغسله ثلث مرات و يصر في كل مرة و عن محمد رحمه الله) في غير ظاهر الرواية (أنه يغسلها) أى النجاسة غير المرئية (لث مرات و يعصر في المرة) الثالثة فقط فإن الثوب يطهر و قد تقدم أن ذلك غير رواية الأصول ثم في كل موضع (شرط العصر ينبغي) أى يجب  (أن يبالغ في العص” حتى يصير الثوب بحال لو عصر بعد ذلك لا يسيل منه الماء) ولا يقطر ولكن (يعتبر في كل شخص قوته و طاقته) حتى لو عصره صاحبه حتى بلغ قوته و صار بحال لا يقطر لو عصره هو إلا إنه بحيث لو عصره من هو أقى منه يقطر يطهر بالنسبة إلى صاحبه و لا يطهر بالنسبة إلى الشخص الأقى لأن كل أحد مكلف بقدر وسعه ولا ييكلف أحد أن يطلب من هو أقى منه لعصر ثوبه عند غسله ثم شرع في ذكر مسائل قد حكم بطارتها  من غير عصر أما لعسر عصرها أو لتعذره فقال ( وفي فتاوى أبي الليث خف بطانة ساقه) ذكر الساق اتفاقي أث بطانته (من الكرباس فدخل في جوفه) كذا وقع في جميع نسخ هذا الكتاب في جوفه أى في باطنه والذي في نسخ الفتاوى وغيرها من الكتب في خروقه وهو الصحيح إذا المراد أن النجاسة أصابت الخف ونفدت إلى بطانته من خروقه وهذه العبارة توهم أنها دخلت في باطنه ولم تصب ظاهره فهى غير صحيحة بل الظاهر أنها تصحيف (ماء نجس) حتى تنجس الكرباس أيضاً (فغسل الخف ودلكه باليد ثم ملأ) الماء الخف ثلثاً (وإهراقه إلا أنه يتها) له عصر (الكرباس فقد طهر الخف) أى بمجرد جريان الماء ظاهراً و باطناً و لكم يشترط فيه عصر الخف ولا الكرباس لتعسره قياساً على مسئلة البساط على ما سيأتي قريباً إن شاء الله تعالى وروى عن (أبي القاسم) الصفار (أنه قال في رجل يستنجي و يجري ماء استنجائه تحت رجليه) من غير أن يستنقع تحتهما وهو متخفف فيصيب ذلك الماء خفه (و) الحال (أنه ليس بخفيه خرق) ينعي فلم ينفذ ذلك الماء إلى بطانة الخفين) له أن يصلى مع ذلك الخف) لأنه طاهر (لأن) الشان (بالماء الأخير) من ماء الاستنجاء) يطهر الخف) تبعا كما يطهر موضع الاستنجاء استحساناً للضرورة وعموم البلوى ولما كان في قوله وليس بخفيه خرق إشارة إلى أنه لو كان خرق لم يكن الحكم كذلك قال (وفي الملتقط إن كان خفه) أى خف المستنجي (منخرقا و أصاب الماء) أى ماء الاستنجاء (رجله ولفافته رجوت سعة الامر) فيه بأن الحكم أن الرجل واللفافة يطهران أيضاً تبعا لموضع الاستنجاء لأن الماء جار منه إليهما فإذا أصابهما من الماء شيئاً فشيئاً إلى الماء الأخير الطاهر (إلا يرى) إلى ما صرح به في الفتاوى وغيرها (إن البساط النجس إذا جعل في نهر و ترك فيه يوماً و ليلة‘) هكذا في نسخ هذا الكتاب و في بعض الكتب والذي في فتاوى قاضيخان والخلاصة وعامة الكتب ترك فيه يوماً وليلةً وهو الصحيح ولعل الألف سقطت في تلك العبارة والأصل يوماً أو ليلةً بأولاً بلواو فإذا ترك وزوالها بجريانه ظناً غالباً قيباً من اليقين وهذا كله إذا لم يدرك للنجاسة أثر من لون أو ريح أو طعم وإلا فلا يطهر ما لم يصل إلى حد المشقة كما تقدم ثم الاستيضاح على المسئلة المتقدمة بمسئلة البساط ممنوع إذ ليست مثلها وإلا فاين جريان ما غمر كله طاهر في مدة طويلة من إصابة قليل ماء طاهر من غير تكرر في زمن يسير جداً عقيب تكرر مياه نجسة بل الوجه في ذلك ما ذكرنا مع الضرورة والبلوى الغالبة وأمر الاحتياط بعد ذلك غير خفي ( ولو كان على يده نجاسة رطبة و أخذ) بتلك اليد (عروة القمقة) أى الابريق من النحاس وكذا غيره ( كلما صب الماء) على يده ) فإذا غسل يده) التى أخذ بها العروة  ثلثاً طهرت اليد و) طهرت (العروة) تبعاً لليد والتقييد بالرطبة ليس احترازيا لأناه لو كانت يابسة فترطبت بالغسل فالحكم (واحد وهو أنه ) متى حكم بطهارة اليد يحكم بطهارة العروة والكل مقيد بما إذا لم يبق أثر غير شاق وإلا (فلو زالت الرائحة) من اليد مثلاً ولم تزل من العروة لا يحكم بطهارتها

 

 

 

 

لطهارة اليد (الحصير من القصب إذا أصابته نجاسة فجفت يدلك) حتى تنحت النجاسة (ثم يغسل ثلاثا) متواليا من غير احتياج إلى تجفيف لأنه صلب لا يتشرب النجاسة بل لو قدر أن النجاسة أصابت وجه القصب ولم يتجاوز إلى ظهره ولاتخللته يطهر بالمسح لصقالته كما في السكين ذكره ابن الهمام في شرح الهداية (وإن كانت) النجاسة (رطبة يغسل ثلاثا) ولا يحتاج إلى شئ آخر من الدلك ونحوه هذا إذا كان الحصير من قصب وما أشبه في الصلابة كالحصير المسمى بالسامان (وإن كان الحصير من ردي وما أشبه ذلك) في التخلخل والرخاوة  بحيث يتشرب النجاسة كما يتشربها (الثوب بغسل ثلثا و يجفف في كل مرة) باب يترك حتى ينقطع التقاطر منه (فإنه يطهر عند أبي يوسف) بناء على امكان تطهير ما لا ينعصر عنده وعليه الفتوى خلافا لمحمد فإنه يقول المستخرج للنجاسة إنما هو العصر فما لا ينعصر لا يخرج منه جميع أجزاء النجاسة فلا يتطهر قلنا بل التجفيف أيضا مؤثر في استخراجها فإنه تخرج مع قطرات الماء بعد ما تخللت شامتزجت به وما يبقي من النداوة بعد التقاطر معفو كما مر

 

 

عليه الصلوة والسلام

عليه السلام

رضى الله عنه

رحمه الله

Post a Comment

Previous Post Next Post

Featured Post